حسن جيدا رئيس المنتدى المغربي لحقوق الإنسان يعلق على تقرير الإتحاد الدولي للصحافة

0

 

حاوره محمد العزعوزي  

 

جاء في تقرير ”الإتحاد الدولي للصحافة” الذي تم نشره يوم الثلاثاء فاتح يناير2019 ،أن 94 صحفيا وعاملا اعلاميا قتلوا أثناء تأديتهم لعملهم خلال عام 2018 . ويشكل هذا العدد ارتفاعا في عدد القتلى مقارنة مع السنة المنصرمة (2017) التي عرفت مقتل ما لا يقل عن 82 صحافيا.

وبحسب ما ذكر ذات التقرير أن هؤلاء الصحفيين سقطوا نتيجة استهدافهم بشكل متعمد، أو بهجمات بالقنابل، أو بحوادث تبادل النيران. أما العاملين الإعلاميين الآخرين الذي فقدوا حياتهم كانوا يعملون كسائقين، وضباط حماية، ومساعدي مبيعات. كما شملت قائمة القتلى ست صحفيات، وشملت القائمة أيضا ثلاث حالات وفاة اثناء العمل نتيجة حوادث عرضية مثل حوادث سير أو أمراض معدية.

وفي ذات السياق ونقلا عن مصادر صحفية فقد قال فيليب لوروث، رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين: ” إن هذه الاعتداءات الفظيعة التي تستهين بالحياة البشرية قد وضعت نهاية سريعة للتراجع في عدد الصحفيين القتلى خلال السنوات الثلاث الماضية. ويكرر الاتحاد الدولي للصحفيين طلبه من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بأن تتبني في جمعيتهم العامة المعاهدة الخاصة بأمن الصحفيين وحمايتهم، والتي قدمها الاتحاد الدولي للصحفيين الى بعثات دبلوماسية في الأمم المتحدة في نيويورك في أكتوبر الماضي. هذه المعاهدة – المدعومة من قبل كامل قطاع الإعلام – هي رد عملي للجرائم المرتكبة بحق الصحفيين والتي يتمتع مرتكبيها بحصانة كاملة.”
وأفادت ذات المصادر أن القائمة شملت خمسة صحفيين وعاملين اعلاميين من  “كابيتال جازيت”، وهي صحيفة يومية تصدر في مدينة أنابوليس، عاصمة ولاية ماريلاند الامريكية. وقد تم اطلاق النار عليهم من قبل شخص غاضب بعد خسارته لقضية تشهير رفعها ضد الصحيفة، وقد وصفت الشرطة هذه الحادثة على أنها “هجوم متعمد”.
من جهة أخرى فقد عزا نفس التقرير سبب مقتل الصحفيين للصراعات العسكرية والتطرف المسلح سواء في أفغانستان وسوريا واليمن، ومن ضمن أسباب هذه الإعتداءات كذلك ازدياد حدة العنف ضد الصحافة المستقلة، والشعبوية، وتفشي الفساد والجريمة المنظمة.

ولتسليط مزيدا من التوضيحات على هذا الموضوع، ارتأينا استضافة الفاعل الحقوقي والجمعوي حسن جيدا رئيس ”المنتدى المغربي لحقوق الإنسان”،  حيث أجابنا بكل أريحية وبالتفصيل الدقيق والموضوعي عن كافة الأسئلة المطروحة.

الأستاذ حسن جيدا بصفتكم رئيسا ”للمنتدى المغربي لحقوق الإنسان” نريد أن نعرف رأيكم ووجهة نظركم حول ما جاء به التقرير الذي أنجزه ”الإتحاد الدولي للصحافيين”، والذي أشار لمقتل 94 صحافيا خلال سنة 2018 ؟

تحية حقوقية، أولا نشكركم على هذا اللقاء، وعلى اهتمامكم بهذا الشق من حقوق الإنسان المتعارف عليها عالميا، فتبعا لهذا الحدث الذي يتكرر مع الأسف كل سنة، فإننا نلاحظ أن الصحافيين هم عالميا معرضون لمثل هذه الأخطار التي تصل حتى الموت، وكما جاء في سؤالكم فإننا نلاحظ أن هناك خلال سنة 2018 ارتفاعا بنسبة 15 بالمائة، مقارنة بعدد الوفيات بالنسبة للصحافيين والصحافيات المعتمدين عالميا والمسجلة في سنة  2017 ، في مختلف بؤر التوتر ، وكما لا يخفى عليكم فنحن جد قلقين من هذا المشكل الذي يؤرق كل الحقوقيين وكل السياسيين، وخاصة منظمة صحافيين بلا حدود، التي تتابع عن كثب المشاكل الحقيقية والإكراهات التي تعاني منها الصحافة دوليا وقطريا، فهذا الإرتفاع يعزا على الأقل لسببين، أولهما ضعف الحماية الحقيقية للصحفي وهو في الميدان سواء في بؤرة من بؤر التوتر الحربي أو غيرها، ثانيا وهو ما نعتبره إشكالا كبيرا، وهو أن بعض الجهات تتعمد استهداف و إصابة الصحافيين وبشكل مقصود ومدبر ومخطط  له من قبل، فعلى الأقل فهذين السببين قد يؤديان لهذا الوضع الكارثي، فنحن كنا نتوقع أن يحصل تراجع في عدد القتلى من الصحافيين المعتمدين عالميا، إلا أننا لاحظنا زيادة عدد القتلى من الصحافيين قفزت ل15 بالمائة، فهذا مؤشر لا يجوز السكوت عليه، كما يجب متابعة هذا الملف لإحقاق الحق، وترتيب الجزاءات ضد كل من تسبب في مقتل الصحافيين، كما أريد أن أشير إلى أن موت أوقتل الصحافيين نادرا ما يكون سببه حادثا عرضيا.

أستاذ حسن من فضلكم ما هو السبب الرئيسي وراء هذا الإستهداف الممنهج للصحافة المستقلة ؟

هو في الحقيقة ليس استهدافا للصحافة المستقلة فقط، لكنه استهداف ممنهج  للصحافي بصفة عامة، فالصحافي يعري، ولو أن اللفظ هو تغطية الأحداث ولكنه يعري الأحداث ويفتتها ويحللها، ولكن هناك بعض الجهات والخطير في الأمر فحتى الجهات التي هي ضحية تتحالف مع الجهات المتآمرة على الصحفيين، سواء عن قصد أو عن غير قصد، وبحسن نية أو بسوء نية ضد الصحفي، فهو- أي الصحفي- غير مرغوب في تواجده البثة. فلماذا ؟ لأن هناك دائما خرق للقانون، أو خروقات للقانون، ففي الحروب مثلا هناك استعمال الأطفال، فلا يريد من يستعمل الأطفال في الحروب أن يضطلع الصحفي على استعمالهم في المواجهات الحربية، فهناك معاهدات واتفاقيات دولية، تمنع منعا كليا استعمال الأطفال في الحروب، ونحن نرى أن بعض الجماعات، ونلاحظ ذلك عن قرب، فمثلا نلاحظ أن جبهة البوليساريو تستعمل أطفالا قاصرين في الحرب من المفروض أن يكونوا داخل المدارس، فهؤلاء لن يقبلوا ولا يريدون أبدا أن تتعرى وتفضح هذه النقائص وهذه الأشياء الخطيرة التي يقدمون عليها، كذلك نلاحظ أن هناك قتل جماعي في بعض بؤر التوتر، سواء في سوريا، و في اليمن من قبل الحوثيين ، وفي فلسطين، فهؤلاء لا يريدون أبدا أن تتعرى هذه الجرائم التي يقومون بها، فالصحفي في كلتا الحالتين فهو غير مرحب به وغير مقبول وفي كثير من الأحيان فإننا نرى أنه تخلق له عدة مشاكل، فلنا إسوة في ثلاث صحافيين من روسيا الذين قتلوا بطريقة بشعة حيث كانوا بصدد التحقيق في ملف الحرب في سوريا، فهذه أشياء نعيشها يوميا، ونرى أن الصحافي أينما حل وارتحل فهو غير مرغوب فيه أبدا.

وفي نفس السياق أستاذ حسن ما هي في نظركم الوسائل الناجعة التي يمكن فرضها أمميا على الدول التي تنتهك حقوق الصحافيات والصحفيين ؟

فهذا سؤال وجيه، وهذا هو لب الموضوع وركيزته، لأن الشيء الذي نهدف إليه هو السبل لحماية حياة الصحافيين والصحافيات، للإجابة على هذا السؤال لابد للتطرق لشقين، فعلى المستوى العالمي فهناك معاهدات واتفاقيات لحماية الصحافي، ولكن هل في حالة الحرب تطبق هذه المعاهدات ؟ بالطبع لا، فهذا في حد ذاته مشكلا، فليس المشكل في وضع التقنين أو في التشريع، ولكن المشكل الحاصل هو في التطبيق، ففي حالة الحرب لا يتم احترام الصحافي، فحتى مثلا بعض الهيآت الإنقادية كهيئة الصليب الحمر والهلال الأحمر، نراها تستهدف خاصة في بؤر التوتر، فمثلا في فلسطين نرى كيف تمنع هذه الهيئات الإنقادية من إنقاذ الجرحى أو المعطوبين أو المصابين، فبالأحرى حماية الصحافي، لهذا فزيادة على التشريع يجب أن نقوم بتتبع تطبيق هذه القوانين، ويجب إنزال جزاءات صارمة من طرف الأمم المتحدة ومن طرف المنتظم الدولي لتوفير الحماية للصحافيين، وأننا نؤكد، فلو كانت هناك متابعة وكان هناك زجر وتتبع حقيقي لما تمادت بعض الهيآت وبعض الدول وبعض الأنظمة في قتل الصحافيين، هكذا وبدم بارد، وعودة للشق الثاني فعلى المستوى القطري نجد أن هناك بعض الدول التي لا تحترم أبدا مهنة الصحافة داخلها، وخاصة الصحافة المستقلة، وأعني بالصحافة المستقلة تلك الصحافة التي لا تأخذ دعما ولا تمويلا من الجهات الرسمية النظامية، فهذه هي الصحافة المستقلة، فكل من يأخذ دعما أو منحا مالية أو عينية من النظام فلا يمكن أن نسميه صحافة مستقلة، فالصحافي المستقل هو الذي لا يأخذ دعما من الجهات الرسمية، وهكذا فإن مختلف الدول وخاصة الأنظمة العربية، و الإفريقية ودول -العالم ثالثية- نرى أن لديها كرها مبيتا ورفضا قاطعا للصحافي المستقل، وهناك تضييق على الصحافي وهناك حجز وهناك سجن، وعدة أشياء أخرى التي لا يمكن لمهنة الصحافة أن تمارس في ظل وجودها بطريقة اعتيادية، وفي جو سليم، فهكذا نلاحظ أن الصحافي محكوم عليه بوقف التنفيذ مدى حياته، فهذه مهنة المتهم أو المحكوم عليه بوقف التنفيذ، يعني أنه في كل يوم وهو معرض إما للسجن أو للمتابعة أو للمخالفات أو للغرامات، وهكذا إلى أن يغير هذه المهنة، وهذا ما نراه بطريقة منتظمة وممنهجة، فالصحافة في المغرب من أصعب المهن، والميدان لا يزال غير منظم، ثم أن هناك نوع من الحصار الممنهج والمفروض على الصحافة المستقلة، ومتفق عليه بين الحكومة وبين الوزارات، فحتى القانون الذي صدر فيما يخص الولوج للمعلومة فإنه لم يطبق، فهكذا يبقى الصحافي عرضة لعدة ابتزازات، وحتى وإن أخذ بعض المعلومات، ولم يصغها ولم ينشرها كما يراد لها من قبل من منحه تلك المعلومة، ففي المرة القادمة لن يتم تمكينه من المعلومة، وبالرغم من صدور قانون خاص بالولوج للمعلومة، فهذه إشكالية خطيرة، فكيف لصحافي أن يعمل دون خبر، أو دون مصادر للخبر، فهذا لا يمكن أبدا فمهنة الصحافة متعلقة بالخبر وبالمعلومة، فأن تضع سدا أمام الصحافي للولوج للمعلومة، فإنك إنما تقول له عليك التفكير في مهنة أخرى.

من فضلكم أستاذ حسن ما هي أشكال التضييق التي يعاني منها الصحافي بصفة عامة؟

كما سبق وقلت وأنا أتكلم هنا عن الصحافي المستقل لأنه لا يعنينا الصحافي الحزبي، أو الصحفي الحكومي، لأن هذا نوع من الصحافة له قواعده، وعنده وسائله في التمويل وما إلى ذلك، فبالنسبة للصحافي المستقل، نري أنه على الأقل يعاني من نوعين من التضييق ، فهناك تضييق مادي بدني حقيقي ومباشر ، إما عن طريق التهديد، أو الإبتزاز أو محاولة الإسكات وتكميم الأفواه، وتكسير الأقلام، وهذا ما حدث خاصة في المغرب بصحافة الكاريكاتير، وخاصة الكاريكاتير التقويمي والإنتقادي نقدا بناء، حيث عاش المغرب أزمة خطيرة، حيث تسلطت الأضواء على صحافة الكاريكاتير، وهناك كذلك تضييقا معنويا، كالحد من الوصول للإستشهار والإشهار المتعلق بالشركات، حيث توجد لوبيات تتحكم في هذه المسائل وتتحكم في الإشهار بالمغرب، وللإشارة فسوق الإشهار هو سوق كبير جدا وتخصص له تمويلات ضخمة، ولكننا لا نعرف من يستفيد منها حقيقة ولابأي طريقة تمنح ، وتبعا لأي معيار يتم اختيار المنابر الإعلامية التي تستفيد من هذا الإشهار، وتبقى المسألة بيد اللوبيات التي تتحكم في الإشهار، فإذا كان الصحافي من المغضوب عليهم فلا يحصل على أي إشهار، والعكس بالعكس فإذا كان هناك صحافي يسير في اتجاه معين، فإنه يحصل بسهولة على تمويلات لا محدودة عن طريق الإشهار. وهوفي ذات الوقت لا يمكنه تصنيفه في خانة المنح، فهو حق لأي صحافي، ويجب تنظيم حقل الإشهار في المغرب ووضع أسس تتعلق بكيفية، ومن سيستفيد من هذا الإشهار، وما هي الطرق وما هي القيمة المجملة لهذا الإشهار، لكي نتمكن من معرفة من وما هي الكيفية، ومن وراء هذا العمل.

أما أن يبقى الإشهار يوزع بطريقة عشوائية، فهو يصبح مثل سيف ”دموقليس” المسلط على الصحافي المستقل فيوجهه ويتحكم فيه وفي مساره وفي قلمه و من ضمن الأشياء التي ننادي بها ألا وهي دمقرطة سوق الإشهار في المغرب.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.