جامعيون يثيرون الاشكاليات الكبرى لمراكز دراسات الدكتوراة بالجامعات المغربية
نظم المركز المغربي للعدالة الانتقالية ودراسة التقارير الدولية ندوة علمية عن بعد” حول موضوع: دور مراكز دراسات الدكتوراة بالجامعات المغربية في تجويد آليات البحث العلمي”، يومه السبت 09 أبريل 2022 ابتداء من الساعة العاشرة والنصف ليلا .
وأفتتحت أشغال الندوة من لدن الدكتور المصطفى بوجعبوط، مدير المركز المغربي للعدالة الانتقالية ودراسة التقارير الدولية، الذي قام بتسيير الندوة العلمية مستحضرا إنجازات المركز وفق أهدافه البحثية والعلمية في مجال حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية ودراسة التقارير الدولية تجسيدا لدوره الريادي في ذلك، وقدم إثرها مدير المركز أرضية الندوة التي ركزت على مجموعة من الأسئلة منها: هل أدوار مراكز الدكتوراة بالجامعات المغربية تؤدي رسالتها العلمية وفق مؤشرات علمية تهدف من خلالها بناء منظومة تربوية رزينة وتساهم بالإنتاجات العلمية الاستباقية في شتى العلوم ومختلف المجالات والاختصاصات؟ أم أدوارها إدارية روتينية تساهم في إعادة انتاج نفس المنتوج بمقاس وبمؤشرات ضعيفة؟ هل ذلك نتيجة ضعف التمويل والاستقلالية أم لهشاشة الاطار القانوني والتنظيمي أم لضعف الموارد البشرية أم لتعدد بنيات البحث أم لضعف التأطير البيداغوجي بين الأستاذ والطالب أو هما معا ؟وهل يمكن أن نتحدث عن جودة الانتاج العلمي للباحثين؟
وابتدأت الندوة بمداخلة الدكتور إحزرير عبد المالك استاذ علم السياسة بمكناس وعضو الجمعية المغربية للعلوم السياسية، وخبير لدى المركز الوطني للبحث العلمي بالرباط، تحت عنوان: “أهمية الدراسات الانجلوساكسونية في تطوير المنظومة البحتية بالمغرب”، حيث انطلق من التمييز بين المرجعية الفرنسية والمرجعية الأنجلوساكسونية في البحث العلمي، فالأولى تهتم بالدولة، فيما الثانية تهتم بالمجتمع . وأكد على أن البحث العلمي يشكل حلقة هشة في دينامية المجتمع بفعل غياب الرابط التواصلي بين السلطة والمجتمع ( وفق تصور هابرماس ) ، كم أكد أيضا على حاجة بنيات مراكز دراسات الدكتوراه والمختبرات إلى مبادئ الشفافية والتعاون والانفتاح .
أما المداخلة الثانية كانت للدكتور مساعد عبد القادر أستاذ التعليم العالي -كلية الحقوق بطنجة ومنسق ماستر حقوق الانسان – رئيس المركز العلمي الدولي للحوار والمناقشة حول الأبعاد الجديدة لحقوق الإنسان تحت عنوان:” قراءات في إسهامات مراكز الدكتوراه في تطوير البحث العلمي”، حيث جدد الأستاذ شكره للمركز المغربية للعدالة الانتقالية ودراسة التقارير الدولية، بأهمية اختياره لهذا الموضوع ومناقشته من خارج الجامعة مكسب جديد… وهو ما يتيح للباحث قدرا من الحرية والموضوعية في التناول… لو كان من داخل الجامعة ستكون بأدوات تمجيدية….. وبالرغم من كثرة مراكز الدكتوراة بالجامعات والمعاهد بالمغرب فإنها تعد مكسبا ومعطى إيجابيا في خلق التفوق والتميز العلمي على المستوى الدولي؛ فإنه يجب – في نظر الأستاذ – تجويدها والارتقاء بمستوياتها الوظيفية . وسجل الأستاذ وجود مجموعة إكراهات منها :
- إشكالية العلاقة التي تربط المراكز وبين المجتمع أو بين الجامعة والمجتمع، فهناك تهريب للبحث العلمي من القطاع العام إلى القطاع الخاص أو الإدارة بكثرة الأبحاث والدراسات وبعيدة عن الجامعة وتفرض نفسها على الجامعة. وهذا ما أدى إلى تفوق البحث العلمي الإداري الخاص على البحث الجامعي ليس من ناحية الجودة بل من الناحية البشرية والمالية والتسويقية ….
- إشكالية الولوج إلى مراكز الدكتوراة، حيث يتم اعتماد الشهادة معيارا للولوج، ناهيك عن كثرة إجراءات التسجيل الادارية الذي تتجاوز 14 إجراء لأجل التسجيل الأولي في الدكتوراة، ووجود قطيعة بين مسالك الإجازة والماستر والدكتوراه . في حين أكد الدكتور مساعد على ضرورة تنويع مسارات الولوج واعتماد نظام ولوج منفتح على كفاءات علمية وازنة من دون شهادة ولكنها قادرة على إفادة الجامعة من حيث الكفاءة العلمية ؛
- تعزيز مستوى الابداع والابتكار؛
وأنهى الأستاذ مداخلته بتوصيات منها : تحويل مراكز الدكتوراه إلى بنوك فكرية ، والتفكير في أن مراكز الدكتوراة لا بد لها ان تهتم لما بعد الدكتوراة بخلق مشاريع حسب طبيعة البحث، والمساهمة في التربية والتكوين على البحث العلمي من خلال (إنجاز البحث، الحوار، التفكير، العيش داخل الجماعة، ثقافة مرتبطة بالبحث العلمي وليس الحصول على الشهادة…..)، تحويل البحث العلمي من بنية تعمل على مجهودات فردية إلى بنيات مؤسساتية لا تتوقف على عمل الأشخاص، والانتقال من مراكز عامة إلى مراكز خاصة لأجل تشجيع البحث العلمي الجزئي بشكل أكبر و التدقيق فيه .
أما المداخلة الثالثة لدكتور احمد درداري، أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق بتطوان ورئيس المركز الدولي لرصد الازمات واستشراف السياسات، تحت عنوان: “اكراهات البحث العلمي بالجامعة بين اصلاح دور مراكز دراسات الدكتوراه وتجديد مقاربات البحث العلمي النموذجية” . انطلق فيها من مدخل عام أكد فيه على أن الجامعة هي فضاء للتفكير والتنظير والإسهام في صناعة القرار العمومي. وطرح الأستاذ إشكالية الجودة في الإنتاجات العلمية وعدم ترجمتها على أرض الواقع .
وأكد الأستاذ من خلال هذه الندوة عن الأدوار الإجتماعية والثقافية للجامعة من خلال تعميق الأبحاث حول أسباب الضغوطات الإجتماعية والثقافية التي يمارسها البناء الإجتماعي وتوجيه الحياة الإجتماعية بسلوكات إمتثالية بوضوح الأهداف والأساليب المحققة لهذه الأهداف.
وأشار الأستاذ الى ضرورة معارضة الطابع الجامد لوظائف الجامعة وإدخال أسلوب تحليل الوقائع لمواجهة النزعة المحافظة والبطء الذي يؤخر مرتبة الجامعة في سلم ترتيب الجامعات الدولية.
وختم الأستاذ درداري على أن الجامعة رافعة للبحث والتنمية، وتصحيح بعض الاختلالات السائدة في مراكز الدكتوراه ، ومنها شخصنة المراكز وبعدها عن العمل المؤسساتي وسيادة بعض السلوكيات الشخصية المرفوضة. وختم ورقته بالدعوة إلى حكامة تدبير زمن البحث العلمي واستنهاض شروطه .
أما المداخلة الأخيرة كانت للدكتور محمد جعفر، أستاذ علم السياسة والقانون الدستوري – كلية الحقوق – مكناس وعضو المركز المغربي للعدالة الانتقالية ودراسة التقارير الدولية، تحت عنوان: “محددات الجودة في البحث العلمي و آليات إعمالها”، حيث استهل مداخلته بوصف البحث العلمي بالقوة الناعمة في القرن 21 ، ووصف مراكز الدكتوراه بكونها بيوت خبرة. وتمحورت مداخلته حول اربعة محددات لضمان جودة البحث العلمي ، وهي :
- المحدد النفسي الوجداني ، ويقوم على 6 مهارات ( الشغف العلمي ، الموضوعية ، الشك العلمي ، الأخلاق العلمية ، الأصالة العلمية ، التفكير العلمي ) ؛
- المحدد الابستيمولوجي، ويرتبط بمسألة ضبط الباحث للمحددات النظرية والمفهومية ومعرفة سبل أجرأتها ؛
- المحدد الإجرائي / الموضوعي ، ويخص مقومات الأسلوب والمنهج والمادة .
- المحدد التكنولوجي يروم ضبط فنيات و تقنيات المعلوميات باعتماد برمجيات الإدارة الببليوجرافية و الدعم الببليوجرافي المتكامل لمراحل البحث العلمي.
وفي الخلاصة، ختمت الندوة بعد نقاش مستفيض واستحضار بعض التصورات وأكد الأساتذة المتدخلون إلى ضرورة تطوير أداء مراكز دراسات الدكتوراة بالجامعات المغربية لأجل تطوير البحث العلمي، ومن خلال:
- تحويل مراكز دراسات الدكتوراه إلى بنوك فكرية انتاجية واستباقية في بناء السياسات العمومية؛
- إخضاع مراكز الدكتوراه إلى أبحاث علمية في خدمة المجتمع؛
- تمتين الحرية لتطويره أكثر من حاجته إلى ضوابط بيداغوجية تؤطره ؛
- حاجة البحث والباحث إلى الاستقلالية والدعم المالي واستحضار اخلاقيات البحث العلمي؛
- الرفع من ميزانية البحث العلمي وربطها بالانتاجية؛
- حاجة البحث إلى التعدد الذي يفضي إلى التميز والاختلاف؛
- اعادة النظر في طريقة الولوج إلى مراكز دراسات الدكتوراة؛
- حاجة الجامعة إلى إشاعة عنصر الثقة بينها وبين المجتمع، وتجنب هاجس الخوف منها .
- الاستقلال المنهجي للجامعات المغربية بعيدا عن التبعية في اطار الدولة الديمقراطية؛