سعيد موزون : “لأن يكون في سجلك كله كتيب واحد ،يثير شهية القراءة ،خير من أن يكون لك جبل من الكتب لاتستحق القراءة”

0

 

أجرى الحوار: الأستاذ عصام حجلي

غير خافٍ أنّ لكلّ مبدع عوالمه الإبداعية والوجودية التي يقيم فيها وتقيم فيه. ينسج في ثناياها خيوط رؤيته للذات والعالم من خلال تفجير طاقات خلق وسحر اللغة في قوالب إبداعية تستنطق ذاكرة ومخيلة المبدع. هكذا يتكلّم لسان حال الكاتب: «سعيد موزون» المتعدد الاهتمامات والمشارب بين النقد والقصة والرواية والكتابة المسرحية، والذي يحاول «كتابة الحياة بحروف حزينة» على حدّ قوله.

سافرنا إلى عوالم الرجل الإبداعية والثقافية والحياتية في محاولة للتسلل إلى المطبخ الداخلي لمن يصف نفسه ب «مجرّد مبدع صغير». يرتاد ضيف الحوار مغامرات الكتابة الإبداعية والنقدية والبحث أسئلة التجريب في تشكلات النصوص الأدبية باستمرار. صدر له: «دراسات في المنجز السردي والشعري، (نقد) بالاشتراك مع الباحث عبد الكريم الفزني، 2012»؛ «وللحروف صدى (كتاب جماعي)، 2014»؛ «أصوات الغد، (كتاب جماعي)، 2015»؛ «أفلاطون يصل متأخراً، (قصص)، 2016»؛ «صهيل الفراشة، (رواية)، 2018»؛ «جماليات الخطاب السردي: قراءات في قصص «ألق المدائن» للقاص رشيد شباري، 2018»؛ «هل أنت أنت أيتها النحلة؟، (قصص)، 2019»؛ «ابن سينا في المدينة الإلكترونية: مسرحيتان للفتيان، 2019». هذا إلى جانب كونه عضواً في لجنة القراءة ب «الراصد الوطني للنشر والقراءة»، وعضواً بهيئة التحرير بمجلّة «الصقيلة».

 

الحوار التالي يقربنا أكثر من المبدع والباحث «سعيد موزون».

  • لنبدأ هذا الحوار من السؤال الكلاسيكي: من يكون سعيد موزون؟

بداية وارف الشكر لك أستاذ عصام حجلي على هذا الحوار. سعيد موزون: من مواليد أوفوس بالرشيدية، سنة 1982، مجرد مبدع مغربي صغير، يحاول كتابة الحياة بحروف حزينة.

 

  • ما المنابع التي أسهمت في تشكيل شخصيتك الإبداعية وحضورك الوازن في المشهد الثقافي؟

لا أظن أن حضوري يرقى ليصبح وازنا إلى هذه الدرجة في المشهد الثقافي، لأني أرى نفسي ما أزال أتعلم وأقرأ، فلا أعلم حجمي في هذا المشهد؛ أما المشارب والمنابع فهي: الريبيرتوارات الأدبية التي ينهل منها أي مبدع مبتدئ يتعلم الحبو في دنيا الكتابة؛ (كتابات دوستويفسكي وتولستوي، وباستيرناك، وماركيز وكارلوس فوينتيس وليسكانو، وطه حسين وتوفيق الحكيم، ومحمد زفزاف وبوزفور، وخناثة بنونة، وعبد الكريم برشيد والمسكيني الصغير..)، ولا أغفل ذكر المؤسسة الثقافية العتيدة التي تعلمت فيها الشيء الكثير “الراصد الوطني للنشر والقراءة” بطنجة، بقيادة الأستاذة المبدعة فاطمة الزهراء المرابط، والمبدع المرحوم رشيد شباري، فللراصد الوطني عليّ أياد بيضاء في تكوين الشخصية الإبداعية، وكذا “الهامش القصصي” بزاكورة، و”المركز الثقافي توزاكت” بتنغير، والصالونات الأدبية في “نادي المبدعين الشباب” الذي أسسناه مع ثلة من الطالبات والطلبة المبدعين بكلية الآداب، ابن زهر بأكادير سنة 2003م.

  • ما النصوص الأولى التي ورطتك في لذة القراءة ولعنة الكتابة؟

النصوص الأولى: هي في معظمها نصوص في الأدب المغربي الحديث: في الرواية والقصة والشعر والمسرح، وكتب النقد، لاسيما الشعر القديم والحديث، وكتابات نجيب محفوظ والمنفلوطي، وروايات أمريكا اللاتينية والأدب الياباني والكوري، ومسرحيات شكسبير وبيكيت وبريشت، ومحمد مسكين والطيب الصديقي، وبعض كتابات: رولان بارث وجيرار جنيت وتودوروف، وسعيد يقطين وحميد لحمداني، ومحمد برادة في النقد.

 

  • لا شك أن النص الأول له أسراره ومكانته المميزة في ثنايا الذاكرة والوجدان، هل لك أن تحدثنا عن دهشة البدايات الوجودية لإصدارك الأول؟

الإصدار الأول: “أفلاطون يصل متأخرا” لم ينشر إلا بعد سنوات من كتابة الحرف الأول فيه، لأني أرى أن الإبداع ليُقرأ، يجب أن يكون معتقا ما أمكن، ويُقدَّم لمبدعين أو نقاد آخرين ليطلعوا عليه قبل النشر، ثم يستفيد المبدع من ملاحظاتهم وأخطائه وهفواته، لينشر شيئا لائقا. وقد كان لهذا الإبداع الأول (أو الصرخة الأولى) طعم خاص ولذة خاصة، قد تعهدتُه منذ كان نبتة أو طفلا وليدا، إلى أن شاء الله له الوجود.

  • لكل كاتب طقوسه الخاصة في الكتابة، فهل تمارس الكتابة ليلا أم نهارا؟ وهل من فضاء معين تمارس فيه هذه اللحظات التعبدية؟

لا أظن أن لدي طقوسا معينة أو خاصة، لكني أفضل الكتابة في الليل، لما يسمح هذا الزمن من سكينة وهدوء، يؤججان الرغبة في الكتابة، ويسمحان بالمحو والتشطيب وانتقاء المكتوب.

 

  • وأنت تكتب، كيف تجد اللغة؟ هل تطاوعك في الكتابة والتعبير؟ أم هي منفلتة عصية على القبض؟

دائما قبل أي كتابة، أحاول أن أقرأ المتن القديم والحديث/الشعري والسردي (الشعر الجاهلي والعباسي والحديث، والمقامات وكتب الجاحظ، ومتون القصة الحديثة….)، ثم حينما أثمل بهذا كله، وأفرغ من سكرة القراءة ونشوتها، والنهل من هذا السجل النصي، أكتب بلا ارعواء ولا هوادة، فلا أستطيع بعد ذلك أن أدرك حقا: هل اللغة تطاوعني أم تنفلت مني كالظل؟

 

  • سعيد موزون كاتب متعدد الاهتمامات يجمع بين النقد والقصة والرواية والكتابة المسرحية، أين تجد ذاتك أكثر بين هذا التعدد الأدبي؟

لا أظنني كذلك، لأننا الآن في زمن التخصص والاختصاص، وداخل التخصص الواحد بحرٌ لا شاطئ له من القواعد والمفاهيم والوسائل التعبيرية والمعجمية والأسلوبية والبلاغية، والخلفيات المعرفية التي تؤطرها، ناهيك عن انفلات الشعرة التي كانت تؤسس لنقاء الأصل والنوع، وهلامية حدود الائتلاف والتقاطع والاختلاف بين الأجناس، وانفتاح حدود المعرفة النقدية ومرجعياتها، وقوانين التفكير النقدي بمشاربه الكثيرة المتشعبة تشعبا أخطبوطيا (النقد الشكلاني والبنيوي، والظاهراتي، والسيميائي، والتشريحي والتفكيكي، ونظرية التلقي، والنقد الثقافي..)، فلا يمكن للمبدع أو الناقد أن يجمع أطراف هذا كله، ويلفها في يد واحدة، بنفس معايير الكتابة في كل جنس، (حتى لو تعلق الأمر بالخرافة النقدية -التي  في نظري لا مصداقية لها، ولا وزن لها- التي يسميها بعض النقاد المشارقة والخليجيين بـ”النقد التكاملي”)، ولكن أظن أن الأمر بالنسبة لي –في كوني أتمسح بأعتاب النقد- يتعلق فقط بالفضول والتذوق، فأحاول التعرف على الأقل على أبجديات وألف باء كل جنس أدبي وقوانينه ومرجعياته وخلفياته المعرفية، من باب الفضول والتذوق فحسب، وليس من باب الدُّرْبة والحِذق والتمكن والتمكين، وأحسب نفسي فقط أشتغل في ظل النقاد؛ أما الأجناس التي أزعم أنها ربما تأسرني فتجرني إليها، فأحسبني أنتصر لها في الكتابة، فهي القصة القصيرة والكتابة المسرحية، لأنهما في ظني المتواضع تحتاجان إلى الكثير من التكثيف والترميز واللغة الشعرية المركزة والعمل الطويل، للحصول على عمل أدبي واحد، قد يكون عصارة دهور من الاشتغال.

 

  • لماذا وصل أفلاطون متأخرا؟ ماذا عن دلالات هذا الخرق الدلالي، باستحضار شخصية “أفلاطون “الفلسفية؟ وما خلفيات هذا الاستحضار؟

المجموعة القصصية تضمنت تيمات حول عشق الموت، وانهيار القيم، والحب المثالي، والحمق والجنون، فجاء العنوان ليكشف فشل محاولة هذا الواقع الذي يحتاج إلى جرعة أفلاطونية من جمهورية أفلاطون، تعيد إليه الحياة بترياق مغاير، لكن أفلاطون المتلهف للوصول، يأتي ويقدم متأخرا، ليترك للواقع مأمورية إصلاح وإنقاذ ما يمكن إنقاذه بنفسه. والاستحضار هنا رمزي، للإحالة لعالم المُثُل المغيّبة والضائعة.

 

  • يلاحظ من عنوان عملك المسرحي “ابن سينا في المدينة الإلكترونية” استدعاؤك لشخصية تراثية، كما هو شأن المسرح الاحتفالي عند عبد الكريم برشيد، فما خلفيات هذا التوظيف؟ وهل تؤمن بضرورتها في الكتابة المسرحية الحديثة؟

استدعاء ابن سينا، بحمولته الفلسفية والطبية والأدبية، ورمزيته الثقافية، ليس من باب التلذذ بالماضي والتراث والعيش فيه، وتجاوز الحاضر، وإنما لإضفاء طابع الغرابة والدهشة في المسرحية، لاسيما أنها تربوية موجهة للأطفال والفتيان، موضوعها هو صراع الكتاب المستميت مع الوسائط الإلكترونية، في ظل تراجع الفعل القرائي، في زمن الانفجار المعلوماتي والعولماتي الحالي. إذن فالمسرحية ها هنا لا تتماهى مع المسرح الاحتفالي في حَرْفيته وفلسفته ومبادئه، التي دعا إليها وحددها عبد الكريم برشيد في كتبه ومسرحياته، بقدر ما تجسد الصراع الدرامي بين شخصيتين من زمنين مختلفين، لترسيخ تلازمية التراث والحاضر وامتداده في الحاضر في لاوعي التلميذ، ليفخر برموزه التراثية، وفي نفس الوقت يركز من خلال الشكل الاحتفالي للمسرحية على موضوع الكتاب والقراءة، ووسائل التواصل الاجتماعي المعاصرة.

أما بخصوص توظيف الاحتفالية؛ فقد حضرتْ فقط على مستوى آليات الاشتغال الإخراجي، والكتابة الركحية الموازية لهذه الكتابة النصية، ولا أظن أن المسرح الاحتفالي ضروري دائما في الكتابة المسرحية المعاصرة، فكل مسرحية تفرض قالبها وإيقاعها الخاص بها، وشعريتها المسرحية وإخراجها، لاسيما في ظل الدراماتورجيات البصرية والرقمية المعاصرة، فما قد ينفع فيه “النقد والشهادة” قد لا تنفع فيه “الاحتفالية”، وما قد يلائم مسرح “محمد تيمد” قد لا يفيد في الدراماتورجيا والمحترفات المغربية المعاصرة.

 

  • من خلال مواكبتكم النقدية للعديد من المتون الأدبية، هل تمكن النقد من مواكبة الكتابات الإبداعية والنقدية المغربية التي تصدر سنويا؟ وكيف تنظر إلى موجة انتشار القراءات الانطباعية “العاشقة” والنقد “المجملاتي”؟ وما مدى انعكاسه السلبي على المشروع النقدي؟

لا أظن أن النقد المغربي واكب المتون الأدبية برمتها، لأسباب موضوعية وذوقية يحتمها واقع الأدب نفسه، كما نسجل كذلك في هذا الصدد الحضور الباهت للاشتغال النقدي على نقد النقد؛ ربما -بالنسبة للأعمال الأدبية- لأن ما يُنشر لا يرقى للنقد والتحليل والدراسة، لانتفاء الجدة والجمالية في ركام كبير من المنشورات الشعرية (على وجه الخصوص) والسردية، وتهاون دور النشر التجارية في ذلك، بسبب هامش أو هاجس الربح المادي المحض، على حساب الرأسمال الأدبي الجمالي الذي هو مخ العملية الإبداعية، أو حتى في حالة جودتها لاقتصارها أحيانا على نخبة النخبة وصفوة الصفوة، وعلى نقد العلاقات والصداقات والقرابات.

أما بخصوص القراءة العاشقة أو الانطباعية، (أو النقد تحت الطلب)؛ فهي تقتل الإبداع والمبدع في آن واحد، سواءٌ الشفهية الارتجالية/المجاملاتية منها، أو المكتوبة/المناسباتية في حفل شاي على شرف المدعوين، أو حفل توقيع مرتجَل لديوان أو مجموعة قصصية، لأنها تتناسى وتغض الطرف عن الجانب الفارغ من الكأس، وتسلُّ لسانَ الحمْد على الجزء الممتلئ فقط، فتُزين للمبدع مكتوبَه، وتجعله أسير وَهْمٍ لذيذ لا يستفيق منه، فيُبْنَى أدبُه وإبداعُه على أساس هشّ، وعلى معنوياتٍ فارغة، وهذا راجع بالأساس إلى غياب المعرفة النقدية لدى الناقد، وافتقاره لأصول نظرية وعلمية واضحة، وإلى هشاشة مَلَكة الحكم والنقد لديه، فلا نعجب إذن إذا وجدنا كتبا تؤسس للمعرفة النقدية، وتعض عليها بالنواجذ، وتدعو إليها وتحض عليها، أثناء أي فعل قرائي؛ ككتاب “دليل الناقد الأدبي” لميجان الرويلي وسعد البازعي، وكتاب “ثقافة الناقد الأدبي” للناقد المصري محمد النويهي، (الذي ركز في جزء منه على أهمية الثقافة الأدبية والعلمية للناقد). وهذا التعامل النقدي مع المبدع في نظري، ليس قلما أحمر مسلطا على رقبته، ولا ازدراء لأدبه، ولا ضربا في شخصية المبدع، وانتقاصاً من مصداقية إبداعه، ولكن إذا أردنا تشجيع المبدع فعلينا أن نحدثه بحقيقة ما يكتب، ليكون على بينة مما يكتب، ومن منجزه النصي فيراجعه ويقوّمه، لأنه كما يؤكد ذلك “أمبرتو إيكو” “فالنص صنعة تركيبية دلالية تداولية، يرسم من خلاله الكاتب استراتيجية نصية يبني من خلالها قارئا نموذجيا أو مفترضا، قادرا على ممارسة الفعل التأويلي”، وحينما يعي الكاتب هذا الميثاق القرائي وهذه العلاقة الجدلية بينه وبين الناقد، فلا غرو سيطور إبداعه، ويسعى لجعله قابلا للتلقي.

 

  • تعرف القراءة تراجعا كبيرا في منسوبها، باعتباركم عضو لجنة القراءة بـ”الراصد الوطني للنشر والقراءة”، ما هي العوامل التي كرست أزمة القراءة؟ وما مدى تفاعل الكُتاب مع تقارير لجنة القراءة التي تشتغل عبرها؟

دعني أخبرك أولا أن تعامل لجنة القراءة في رونق المغرب، يتسم بمنتهى الشفافية والديمقراطية والنزاهة والصرامة العلمية، والاشتغال على النص وليس على صاحبه وكاتبه، لأننا نتلقى الأعمال الإبداعية والنقدية دون معرفة أسماء أصحابها، ثم دعني أخبرك بأسف شديد والقلبُ يعتصره الألم، أن ما نتوصل به من إبداع في مجلة “الصقيلة”، وفي “الراصد الوطني للنشر والقراءة”، تجد فيه أن ما يبدعه بعض “الصغار” والطلبة وتلاميذ الإعدادي والثانوي، أنضج وأفضل وأدعى للقراءة والنشر، منه مما يخطه بعض الكبار الأكاديميين، الذين من المفروض أن يكونوا على بيّنة من قواعد الكتابة أو النقد، ولا أدري لماذا؟ سواء على مستوى الأسلوب أو التعبير، أو اللغة أو الرؤيا الإبداعية، أو في أضعف الإيمان أبجديات التوثيق العلمي للبحث والمقال الأكاديمي، هذا واقع يجب أن نعترف به، ونبصره جيدا، ونتجرعه على مضض، ولهذا السبب ربما فالجيش العرمرم من هؤلاء، لا يستسيغون تقارير لجنة القراءة، ولا يعترفون بمرآة النقد التي تذكّرهم بحجمهم، ولا يقبلون أي كلمة تصف مكتوبهم بغير ما يريدون، ويحاكمونها بمنطق الطاووس المزهوّ بريشه، ناهيك عن التعالم والترفع على اللجنة بتذكيرها بنياشينه وأوسمته، ومَنْ يكون سيادته في عالم الكتابة، والتعامل معها بردود الأفعال، والإصرار على نشر نفس الأعمال المرفوضة في مواقع إلكترونية سوقية وحاطبة بالليل. إذا كان الكاتب واثقا من نفسه إلى هذه الدرجة، فإن عليه أن يعتني بما يكتب بمنطق شروط البحث العلمي المعروفة لدى القاصي والداني، ويجعله قابلا للتلقي، بمنطق النصية وما يقوله النص المقدم للنشر، لا بمنطق الكاتب السوبرمان الذي يظن نفسه فوق الجميع. ويمكن أن نعزو كذلك ضعف الإبداع إلى الموهبة، فقد يكون المبدع قارئا جيدا، لكن لغة الإبداع تخونه فلا تطاوعه ليكتب أدبا مستساغا؛ فالأصمعي كان ناقدا محترفا حاذقا، وعالما بالشعر العربي وروايته ونقده، لكنه لم يستطع أن يكون شاعرا، و”ابن رشيق القيرواني” كذلك كان ناقدا جهبذا، لكن نُتَفَهُ الشعرية لم تكن في منزلة نقده وعلمه بالشعر.

 

  • صدر لك مجموعة من الأعمال الأدبية والنقدية، ماهي الصعوبات التي واجهتك أثناء النشر، وهل ترى ان كتاباتكم حققت الأهداف المتوخاة من تأليفها؟ وكيف تفاعل القراء والنقاد مع أعمالك؟

للأسف تعرضتْ للنهب والسرقة من طرف دار نشر مصرية بالقاهرة، حينما نشرت روايتي الأولى (ألف نسخة)، وحضرتْ في معارض دولية مختلفة، ولكني لم أتوصل حتى أيام الله هذه ولو بنسخة واحدة لمجرد الذكرى، ولم يكن الهاجس المادي أو الربحي حاضرا لدي إطلاقا، بقدر ما كنت راغبا في حفنة من النسخ للذكرى فقط، ونفس الأمر بالنسبة لمجموعة قصصية، نشرتها إحدى دور النشر المغربية فالتهمَتْها، ولم أتوصل ولو بنسخة واحدة، أشم فيها نفسي وعَرَقي. أما بخصوص سؤال التفاعل، فهو موكول للقراء هم الوحيدون القادرون على الإجابة عليه.

 

  • أصبحت مسألة إصدار مجلة ورقية مغامرة خلال الفترة الراهنة، هل ترى بأن للمجلات الورقية قيمة مضافة للمشهد الثقافي في ظل انتشار الوسائل الرقمية؟ وما سر استمرار مجلة “الصقيلة” -التي تشغل فيها منصب عضو هيئة التحرير-، في الوقت الذي تراجعت وتوقفت فيها مجموعة من المنابر الإعلامية الجادة؟

أظن أن سفينة مجلة “الصقيلة”، التي ربّانها وقائدها المحنك: المبدعة والقاصة فاطمة الزهراء المرابط، ولجنة قراءتها مجموعة من الإخوة الكتاب والمبدعين والنقاد المتميزين والمتمرسين، قد نحتتْ بصْمتها في الساحة الأدبية والنقدية، رغم الظروف المادية والمعنوية التي تعصف حينا وحينا.

 

  • ماهي مشاريعك الإبداعية المستقبلية؟

سأترك ذلك لما نستقبله من أيام.

 

  • كلمة مفتوحة…

سأستعير مصطلحا جميلا استعمله الناقد رشيد يحياوي في كتابه :”قصيدة النثر العربية أو خطاب الأرض المحروقة” وهو “الهيب هوب الشعري”؛ فإذا تأملنا المشهد الإبداعي الآن سنجده على هذه الشاكلة: جسد هلامي بلا روح ولا هيكل عظمي، لأن معظم ما يُنشر الآن أشبه بأغاني “كوكوت مينوت” و”التيك توك”، لا معنى لها ولا ذوق ولا جمالية، وفي ظني المتواضع لا يوجد إبداع بدون قراءة إطلاقا، وكل كاتب يكتب بلا سندٍ قرائي ومرجعي ومعرفي، ويصور له عفريتُه ووهمُه أنه كاتب، فليمزقْ ما يكتبه، لأن ما يكتبه مجرد ساندويش لحظيّ ومؤقت غير قابل للهضم بَلْهَ النقد والتحليل، على كل مبدع يتأهب للولوج لعالم الكتابة، أن يقرأ كثيرا حتى تتورم عيناه، وينقّح إبداعه كثيرا قبل أن ينشره، ويعرضه على أصدقائه من النقاد والمبدعين والكتاب ليبصِّروه بعيوبه وبقوانين الكتابة. فَلَأَنْ يكون في سجلكَ وعمرك كله كُتَيْبٌ واحد، يثير شهية القُرّاء والقراءة، خير من أن يكون لكَ جبلٌ من الكتب، لا تستحقُّ القراءة.

أجدد شكري الوارف لك أستاذ عصام على هذه الفرصة، وعلى هذا الحوار. خالص التحية والتقدير.

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.