إدريس السدراوي يكتب : معايير إستعمال القوة خلال العمليات الأمنية ..تتمة

0

II. سيادة القانون
1) الطريقة المثلى لاستخدام القوة
يمكن لمؤسسات الشرطة الاستفادة من تعزيز نظام حكومتها، إذ يساعد ذلك على ضمان الامتثال للأطر القانونية الدولية والمحلية ويعزز مستويات الشرعية. ويمكن أن تقدم لنا التجربة الدولية أمثلة تُبرز مدى أهمية مبادئ الحوكمة الرشيد – المطبقة على جوانب استخدام القوة، بما في ذلك السياسة والموارد البشرية والمعدات – لفعالية عمل الشرطة. تجدر الإشارة إلى أن مبادئ الحكامة وأنظمتها التي يتطرق لها عرضنا تتعلق بأجهزة الشرطة فحسب، رغم تعلقها بشكل غير مباشر بالعديد من الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية، إذ أن طبيعة السياق السياسي والاجتماعي والإطار التشريعي الذي تعمل فيه هو ما يحدد الهيكل التنظيمي لاستخدام القوة في نهاية المطاف. وهناك عوامل خارجية تأثر تأثيرا كبيرا على أجهزة الشرطة؛ فالنظام السياسي يحدد هياكلها إذ تكون المركزية في الدول الفيدرالية، بينما تكون مركزية في الدول الوحدوي، كما تضطلع التشريعات ونظام العدالة بدور لا يقل أهمية عن دور القيم وقوة المجتمع المدني. وتستدعي عوامل التأثير المهمة هذه النظر في العلاقات بين البيئة المحيطة والشرطة. لإن إيجاد بيئة تركز فيها أجهزة الشرطة على مراعاة حقوق الإنسان يتطلب توجها سياسيًا إيجابيًا فيما يخص سيادة القانون، بالضافة إلى إطار تشريعي يتضمن المعايير والمبادئ المعترف بها دوليًا.

2) العوامل الاستراتيجية والسياسية
تتحمل الدول، خاصة الدول الموقِّعة على اتفاقيات دولية ، مسؤولية إعداد جدول الأعمال لوضع إطار كامل يضمن الامتثال الأعلى المعايير المتعلقة باستخدام القوة والرقابة عليه. ولا بد من الانتباه إلى أن عمليات تغيير القواعد والإصلاح المؤسسي والتحديث لن تكون كافية أو فعالة إذا لم تكن مصحوبة بالتزام سياسي بتنفيذها.
تعمل أجهزة الشرطة تحت سلطة الحكومات القائمة على الحكم، وتختلف التفاصيل المحددة لهذه العالقة من بلد لآخر. وتتحمل الحكومات مسؤولية التأكيد على أهمية دور الشرطة باعتبارها الجهة الضامنة لحقوق المواطنين. وتعد عمليات إصلاح أجهزة الشرطة أو تحديثها بغرض تحسين ممارسات استخدامها للقوة عملية طويلة المدى وربما تمتد لما بعد فترات الولاية الرئاسية أو البرلمانية، كما أن إحراز أي تقدم ملحوظ قد يستغرق وقتًا أطول من متوسط مدة الدورة الانتخابية في معظم البلدان. وهذا يعني أن عمليات تحسين استخدام الشرطة للقوة يجب أن ترتكز، إلى جانب الدعم السياسي، على الحوار والانفتاح والشفافية ومشاركة المواطنين. فهذا يعزز بناء الثقة التي ال بد من توافرها لتحقيق عمليات الإصلاح، لاسيما من أجل الشرعية والحصول على دعم الجمهور.
يسلط حفظ الأمن والنظام في التجمعات الضوء على أهمية تحديد الحكومات التجاه استراتيجي للإجراءات التي تتخذها الشرطة. فالاحتجاجات غالبًا ما تكون موجهة بشكل خاص صوب الحكومات أو سياساتها أو مواقفها من الشؤون الخارجية. وبالتالي فإن وجود إطار قانوني ييسر ممارسة الحق في حرية التجمع والتظاهر يعد عاملا جوهريًا في تحديد طريقة تيسير الشرطة لمثل هذه التجمعات وإدارتها. كما ال يقل عن ذلك أهمية أن تتساهل الحكومات في منح هذه الحريات للمواطنين بالإضافة إلى مواقفها العامة والخاصة بشأن الطريقة التي ينبغي لأجهزه الشرطة التعامل بها مع هذه الحريات.

3) الاطار القانوني
يشكل احترام الشرطة للقانون وتنفيذها له بصورة صحيحة ومحايدة عاملا حاسما في إرساء الديمقراطية والشرعية، غير أن هذا يفترض مسبقًا أن يكون القانون نفسه ملائما للغرض الموضوع من أجله. فالإطار الدولي المعترف به على نطاق واسع يحتوي على المعايير التي يجب أن تستند إليها كل دولة في وضع إطارها القانوني المحلي. على الرغم من أن استخدام الشرطة للقوة ينبغي أن يعكس ما تنص عليه المعايير الدولية والمبادئ الأساسية الواردة في قوانين الأمم المتحدة المختلفة، فإن ضباط الشرطة ما زالوا مطالبين بإنفاذ التشريعات الوطنية. وإذا كانت التعليمات التي تنص عليها هذه التشريعات قاصرة وغير كافية، فإن نتائج تنفيذ ضباط الشرطة لها لن تكون ملائمة.
تستخدم الحكومات الوطنية تشريعات لوضع معايير تحدد طبيعة عمل الشرطة الميداني لاسيما فيما يتعلق باستخدام القوة. وعلى الرغم من عدم قدرة هذه التشريعات على الاستجابة لجميع التحديات التي تواجه الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون في مهاهم اليومية، فإنها يجب على الأقل أن توفر توجيهات أساسية تضمن امتثال الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون للقوانين والمعايير الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان.
ومن الضروري ألا يُعفى الموظفون المكلفون بإنفاذ القانون من المسؤولية الجنائية عن أي أعمال غير قانونية تُرتكب أثناء تأدية مهامهم، ولا بد أن تكفل أحكام القانون الحق في رفض الأوامر التي تتعارض تعارضا واضحا مع أحكام القانون.
كما قد تلعب المحاكم الوطنية دورا إيجابيًا أو سلبيًا من خلال تفسير القوانين وتنفيذها. وبالرغم من أن المحاكم الدولية والإقليمية المعنية بحقوق الإنسان قد تُراجع هذا التفسير المحلي وتتعارض معه، فإن هذه الإجراءات تستغرق وقتًا طويلا يصل لسنوات عديدة حتى تصدر المحكمة أحكامها، ومزيدا من الوقت لإدراج هذه الأحكام في القوانين المحلية.
ينبغي أن يكون الإطار التشريعي للدول كاملا وواضحا لا غموض فيه وقابلا للإنفاذ ومتوافقًا مع القوانين والمعايير الدولية لحقوق الإنسان. وينبغي كذلك إتاحة الوصول إلى القوانين والمعايير المحلية لكل من ضباط الشرطة والجمهور على حد سواء وأن تكون بصيغة يسهل عليهم فهمها. ونظرا إلى أن عمل الشرطة يتم في بيئة دائمة التغيّر، فال بد من مراجعة مدى ملائمة الإطار القانوني وامتثاله بصفة دورية من قبل سلطات إدارية وقضائية مختصة مستقلة ومحايدة، وتحديثه عند اللزوم.

4) المبادئ التوجيهية الداخلية
تشكل السياسات والبروتوكولات والمبادئ التوجيهية الداخلية اللبنات الأساسية لوضع نهج تتبعه الشرطة في استخدام القوة يتوافق مع جميع أحكام القانون ذات الصلة. ونظرا إلى أن الإطار القانوني يحدد بالتفصيل القواعد التي تنظم استخدام الشرطة للقوة، فإن السياسة والمبادئ التوجيهية الداخلية ترمي إلى ضمان الامتثال لهذا الإطار القانوني من خلال وضع توجيهات تحدد كيفية استخدام هذه القوة وأوقات استخدامها.
لا بد أن تكون السياسات الداخلية واضحة وقوية، وأن تهدف إلى تزويد ضباط الشرطة بتوجيهات قابلة للتنفيذ عمليًا، مع وضع معايير عالية لاستخدام القوة، وضمان مسؤولية كل فرد عن سلوكياته وسلوكيات الأفراد الذي يعملون تحت قيادته وإشرافه.
يشكل إلمام ضباط الشرطة بهذه السياسات وفهمها واستيعابها أهمية بالغة لتحسين استخدام ممارسات القوة. ويعد وضع آليات فعّالة لنشر السياسات والتوجيهات الداخلية وتعزيزها واختبار مدى استيعابها من المسؤوليات الرئيسية التي تضطلع بها مؤسسات إنفاذ القانون. وهذا يتطلب وعيًا بأن مؤسسات الشرطة تعكس المجتمعات التي تخدمها. فمؤسسات الشرطة تتطور على مر الزمن جنبًا إلى جنب مع المجتمعات التي تنتمي إليها، وتمثل انعكاسا لقيم هذه المجتمعات وثقافتها ومستويات المساواة فيها وطبقاتها الاجتماعية وتاريخها.
تمثل الشفافية آلية رئيسية في إرساء الشرعية وبناء الثقة. لذا ينبغي حث وكالات الشرطة على التعاون مع أصحاب المصلحة أثناء وضع السياسات، على أن تراعي هذه السياسات تنوع المجتمعات والمنظور الجنساني.
تشير المشاركة إلى عدم ممانعة مؤسسة الشرطة في السماح أطراف خارجية بالمشاركة في العملية. فإشراك هيئات الرقابة الخارجية المكلفة بالتحقيق في الشكاوى ضد الشرطة قد يساعد في ضمان أن تكون توقعات مطالب السياسة واقعية. ولا ينبغي استخدام حجة المعلومات الفنية كذريعة لاستبعاد المواطنين من المشاركة. فالتركيز على الجوانب التشغيلية والإجرائية دون الاكتراث لمخاوف المجتمع وتوقعاته يمثل خطئًا استراتيجيًا. كما أن الوسائط الأكاديمية والمجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية والجماعات ذات المصالح المجتمعية ستقدم مساهمات مهمة، لا سيما من خلال عرض وجهة نظر الأشخاص الذين قد يتعرضون لاستخدام القوة على يد قوات الشرطة. ومن هنا ينبغي تطبيق أقصى حد ممكن من الانفتاح والشفافية واتباع نهج تعاوني في جميع جوانب عمل الشرطة مع ضمان بذل الجهود الممكنة لضمان نشر المبادئ التوجيهية الداخلية وإتاحتها للجمهور.

I. الخاتمة :
يحسم المجتمع في صلاحية استخدام القوة التي ينفرد بها جهاز الشرطة عن غيره من الجهات. وتقترن بهذه الصلاحية مسؤوليات متعلقة باستخدام القوة على نحو يتوافق مع الأطر التشريعية وأفضل الممارسات. ولا ينبغي أن يُلجأ إلى استخدام القوة إلا عند الضرورة وعند السعي لتحقيق هدف مشروع لا يمكن بلوغه بطريقة أخرى. وحتى في هذه الحالة، يتعين على الشرطة عدم استخدام القوة إلا بما يتناسب مع الهدف الذي تسعى لتحقيقه مع مراعاة استخدام قدر معقول من القوة حسب الظروف القائمة.
ويتطلب ضمان الالتزام بهذه المسؤولية ما هو أكثر من مجرد زيادة ساعات التدريب المتعلق بحقوق الإنسان أو تعديل بروتوكولات النظام العام, فعلى الرغم من مساهمة هذه التدابير في تحسين الممارسات الحالية بشأن استخدام القوة، فإنه يُوصى بوضع نموذج تنظيمي يتضمن تدابيرا لتشكيل التوجهات وتنظيم السلوكيات المتعلقة باستخدام القوة من جانب الفرق والأفراد على حد سواء, فالسياسات الضعيفة ستؤدي إلى ممارسات تشغيلية ضعيفة أيضا, ومن هنا، يجب أن تراعي التوجيهات التشغيلية النوع الاجتماعي وأن تعكس سبل الحماية المنصوص عليها في المعايير الدولية والأطر التشريعية الوطنية. ولا بد أن يكون ضباط الشرطة المكلفون باستخدام القوة على استعداد جيد لمثل هذه المواجهات من خلال حصولهم على تدريب عالي الجودة وتزويدهم بخيارات تكتيكية ملائمة للغرض بالرغم من أن النموذج التنظيمي السليم لاستخدام القوة يعد ضروريًا لتحقيق نتائج متوافقة مع حقوق الإنسان، فإن هذا النموذج وحده غير كاف؛ فمفهوم “ثقافة الشرطة” مفهوم معقد. والضباط يعكسون قيم المجتمعات التي ينتمون إليها باعتبارهم جزءا منها. وبالتالي، على كل وكالة شرطة إرساء ثقافة مؤسسية تؤدي دورا بارزا في تحديد ملامح استخدامها للقوة. فمن جهة، تشجع أي ثقافة شرطة سليمة الخصائص والسمات الإيجابية كالصداقة القوية والعمل الجماعي والإصرار على إنجاز أي مهمة مهما بلغت صعوبتها. ومن جهة أخرى، يمكن للسمات السلبية، كالذكورية السامة والتحيز والعدوان و”جدار الصمت الأزرق”، أن تكون سببًا رئيسيًا في إساءة استخدام القوة.
إن السبيل لمجابهة هذه الثقافة هو القيادة الأخلاقية داخل المؤسسة وتبني آليات قوية للمساءلة الداخلية والخارجية. إذ أن إرساء ثقافة المساءلة في العمل الذي تقوم به الشرطة، لاسيما فيما يتعلق باستخدام القوة، سيسهم في تعزيز شرعية المؤسسة ويفضي إلى أداء عمل الشرطة بفعالية. ونظرا إلى أن الأعمال الروتينية اليومية لضباط الشرطة لها تأثير استراتيجي على السمعة، فال بد أن تسترشد هذه الأعمال بأعلى المعايير المهنية الممكنة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.