أغاني القرقوبي .. قبح سمعي بصري من المسؤول عن تفشيه؟

0

بقلم : جمال الخنوسي

انتشر في الآونة الأخيرة تلوث سمعي بصري اسمه “شررر كبي لاتاي”، سنسميه هنا تجاوزا فيديو كليب مليونيا احتل الطوندونس المغربي على منصة يوتيوب، 5 ملايين مشاهدة في أسبوعين، وانتشر كالنار في الهشيم على إنستغرام وتيكتوك. وإذا كان رد الفعل الأول هو الحوقلة والاستغفار، فسيقول مكتشفو هذا المسخ في نهاية الأمر، كما يقول صاحب الأغنية: والعاداو، ماذا هذا؟ ولن تجد من يجيب عن هذا السؤال الحارق.

صحيح أن شخصا مثلي، تجاوزه “الوقت وأولاده”، لن يفهم الكثير من المفردات الصعبة لهذه الهلوسات التي تسببها “حبة في المولادا”. إلا أن البعض مما فهمته عن مغامرات القطط وشرمولة كاف للاستنتاج أن هذا القرف ليس له مكان بيننا.
بعض خفيفي الظل يقولون إن مصير مبدعي فن القرقوبي هذا، الذين رموا في وجهنا هذه القاذورات هو عكاشة أو السجن المحلي بعين قادوس، فإن حماية الأجيال القادمة يتطلب مقاربة مختلفة.

من الطبيعي إذن أن نسأل: ماذا فعلت الهيئات والدول التي سبقتنا في تنظيم وتقنين المجال السمعي البصري لتقي نفسها من الواد الحار الجارف.

في فرنسا مثلا، انتقل المجلس الأعلى السمعي البصري، المكلف بتقنين المجال السمعي البصري، إلى الهيئة التنظيمية للاتصالات السمعية والبصرية والرقمية؛ أي أن هذا التغيير جاء لمواكبة التحول الرقمي وتوسيع المنصات الإلكترونية، مما يتطلب تحديث الأطر التنظيمية للتكيف مع التحديات الجديدة.

هذا التطور يعكس الرغبة في الاستجابة بشكل أكثر فعالية للتحديات الرقمية. وأدى الاندماج بين المجلس الأعلى السمعي البصري، والهيأة العليا لنشر الأعمال وحماية الحقوق على الإنترنت، في عام 2022، إلى إنشاء الهيئة التنظيمية للاتصالات السمعية والبصرية والرقمية. حيث يهدف هذا الكيان الجديد إلى توسيع نطاق السلطات التنظيمية لتشمل ليس فقط الخدمات السمعية والبصرية التقليدية، ولكن أيضا الخدمات الرقمية والمنصات عبر الإنترنت ومكافحة القرصنة.

في المغرب، كانت تجربة الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري رائدة في المجال منذ إحداثها في 3 ماي 2013. وكان الهدف منها تنظيم القطاع السمعي البصري؛ إذ شملت مهامها إصدار تراخيص البث، ومراقبة الامتثال لبنود دفاتر التحملات والأخلاقيات، وحماية الجماهير الناشئة من المحتوى غير المناسب. كما سهرت الهيأة على تعزيز التنوع الثقافي واللغوي، والامتثال لحصص الانتاجات الوطنية في الإذاعة والإنتاج السمعي البصري على التلفزيون.

لكن التطور الذي عرفه الفضاء الرقمي والانتشار السريع والواسع، لم تواكبه “الهاكا” لأنه خارج نطاق اختصاصاتها الأساسية، وفي الآن ذاته، لم يتم توسيع مجال تقنينها، ما جعلها بلا فاعلية في حقل مستقبلي واسع الانتشار. فمهما وضعنا قواعد وقوانين لتحصين المجال السمعي البصري فإن فيديو واحدا سريع الانتشار يمكن أن يهدم عمل سنوات من حماية الجمهور الناشئ أو تحسين صورة المرأة في الإعلام…

إن التحول إلى صيغة جديدة للتقنين لم يعد ترفا بل هو تحول فرضه واقع الأمور في فرنسا كما في بلدان أخرى، ومن غير المعقول ألا نكون سباقين لمثل هذا التحول في المغرب الذي كان دائما طلائعيا في محيطه لتقنين السمعي البصري. خصوصا اننا عندما نتحدث عن النموذج الفرنسي الذي بادر على فرض قيود في الفضاء الرقمي فإننا أمام بلد تحتل فيه الثقافة حيزا كبيرا، وحيث يوجد جمهور يستهلكها بنهم استثنائي.

لقد حان الوقت لتنظيم وتقنين المجال الرقمي على غرار السمعي البصري الكلاسيكي، من أجل حماية حرية التعبير، كما حماية الجمهور في مختلف الأعمار الذي أصبح وصوله لشبكات التواصل الاجتماعي دون حسيب أو رقيب، من المحتوى الضار والغير القانوني. ولا يهم إن كانت مؤسسة اسمها الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري كفيلة بهذه المهمة أو لابد من تعزيز حضورها في مهمة مشتركة مع فاعلين آخرين يساير اختصاصهم المجال الرقمي الذي يتميز بخصوصيات تجعله عصيا على التطويع.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.