التشهير الإلكتروني بالمغرب.. حكم مسبق بدون محاكمة عادلة.
محسن عاصم
أصبح التشهير الإلكتروني ظاهرة عالمية جامحة لا تكاد تقتصر على دولة أو مجتمع معين. وبالرغم من أنها من الظواهر الحديثة إلا أن أضرارها وانعكاسها على أفراد المجتمع مضر ومدمر لأبعد الحدود.
ولقد عرف المغرب بدوره تزايدا كبيرا لهذه الظاهرة خلال السنوات الأخيرة. تزايدٌ مؤسف يظهر جليا من خلال مضمون ما يتم نشره من فضائح على مواقع التواصل الاجتماعي وكذا من خلال الإقبال الكثير على مشاهدتها ودعمها، وذلك في تناف تام مع القيم الإسلامية النبيلة التي تحث على الستر.
فمن جهة سهلت الهواتف الذكية الحصول على الصورة ومن جهة أخرى سهلت الإنترنت انتشارها السريع كالنّار في الهشيم، وذلك دون أدنى مراعاة لخصوصية الأفراد وما قد يترتب عن التشهير بهم من إساءة إلى سمعتهم وتأثير ذلك عليهم وعلى أُسرهم ومحيطهم الذي يعيشون فيه
ففي كل مرة نجد على مواقع التواصل الاجتماعي ضحايا جدد من فئات اجتماعية وأعمار مختلفة، بل إن الموتى أنفسهم لم يسلموا من التّشهير. فلا استغراب إذا ما وجدَ أحدنا يوما وبدون علم منه صُوَرَهُ منتشرة على صفحات الإنترنت. فالتقاط صورة لك خلسة أو حتى عَلناً في أحد المواقف السّاخرة أو المحرجة أو حتى المؤلمة، كافٍ ليجعل منك مادة دسمة تقتات عليها بعض المواقع طمعا في جلب أكبر عدد من المشاهدات ونقرات الإعجاب، وذلك باعتماد عناوين مثيرة تشد انتباه وفضول المتصفح، أو جعلك مادة للسخرية يتناقلها الأصدقاء بينهم على الواتساب. فمن منا لم يصله يوما في هاتفه فيديو شخصي لأحدهم أو لرقص مثير لإحداهن، أو لقطات ساخرة من عرس وقِسْ على ذلك البقية، ونقوم بمشاركتها أصدقائنا أحيانا دون وعي منا أننا نساهم بنصيب لا يستهان به من التشهير، وأحيانا مع سبق الإصرار وإلحاق الأضرار.
يتخذ التشهير عدة وسائل وطُرق أكثرها شيوعا الصّور والتسجيلات الصّوتية ومقاطع الفيديو، والتي قد تكون حقيقية أو مفبركة. وذلك بهدف الانتقام أو الإساءة إلى السّمعة أو السّخرية أو الابتزاز أو إقصاء أحد الخصوم كما يحدث مثلا في السّياسة، أو ضربِ سمعة أحد الشركات المنافسة في السّوق. فالتشهير لا يمس الأفراد العاديين فقط، بل يستهدف أيضا المسؤولين والشخصيات العمومية ومؤسسات الدولة والشركات والعلامات التّجارية على سبيل المثال لا الحصر. وهو ما جعل من مواقع التّواصل الاجتماعي فضاءً واسعا للانتقام وتصفية الحسابات، مما أفقد هذه الأخيرة مصداقيتها وغايتها الرئيسية بالرغم من مزاياها وفوائدها العديدة على الجميع.
إن الحق في حرية التعبير والحصول على الخبر والمعلومة لا يتنافى والحق في الحياة الخاصة للأفراد، فهناك توازن بين الحقوق والحريات. فمن حق المواطنين حصولهم على المعلومة وانتقادِهِمُ ومحاسبتهِمُ الشخصيات العامة التي لها دور في خدمة المجتمع، ولكن دون اللّجوء إلى التشهير بهم. فلا يعرض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو أسرته أو مسكنه أو مراسلاته أو لحملات على شرفه وسمعته، ولكل شخص الحق في حماية القانون من مثل هذا التدخل أو تلك الحملات كما هو منصوص عليه في المادة 12 من ميثاق حقوق الإنسان.
لأن التشهير هو حكم مسبق بدون محاكمة عادلة، فالاتهام بارتكاب جُرم أو مخالفة لا يُسقط عن المُشهَّرِ به قرينة البراءة، فكل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئاً إلى أن تثبت إدانته قانوناً بمحاكمة علنية تُؤمَّن له فيها الضمانات الضرورية للدفاع عنه كما جاء في المادة 11 من الميثاق نفسه.
إن القانون المغربي وتماشيا مع ما يتطلبه العصر قد جرم فِعل التّشهير. فنشر صورة لشخص ما بدون رضاه يعتبر تعدي على الحياة الشخصية للغير وهو ما يعاقب عليه القانون رقم 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر في فصله 89. وهنا يبقى السؤال مطروحا، هل العقوبات القانونية زاجرة؟ وهل القانون في حد ذاته كافٍ لردع الجريمة؟ وإلا فلماذا تَعرف هذه الأخيرة تزايدا بالرغم من هذه العقوبات القانونية؟ وهل يجب معاقبة المجرم أم الجريمة في حد ذاتها؟.