الحقوقي المديمي : معركة المحامون تعد هي الأقوى مند فجر الإستقلال.

0

قال الحقوقي محمد المديمي رئيس المكتب التنفيذي للمركز الوطني لحقوق الإنسان بالمغرب، صفوة القول أن المحاماة أجمل مهنة في العالم، فالمحامي يلجأ إليه الأغنياء والفقراء على السواء، ومن عملائه الأمراء والعظماء، يضحى بوقته وصحته وحتى بحياته في الدفاع عن متهم بريء أو ضعيف مهضوم الحق.
فالمحامي إنسان يبيع الناس وقته وعقله وهذه هي بضاعة العقل التي كلما بيعت نمت، والمحاماة مهنة تقوم على إظهار الحقائق التي تغيب عن ذهن القاضي، ولا يعلم الموكل أنها حقائق مهمة، لذا فإن المحاماة عاملا مساعدا لرد الحق إلى أهله، فقوام هذه المهنة وأساسها هو العدل.
وسمة المحاماة الأولى هي الوقار, فإن فقد المحامي وقاره، فقد موكله، وفقد قضيته، وفقد قاضيه، وفقد نفسه، والمحاماة لمن يعشقها، وهي إن أعطت فهي لا تعطي إلا لمن عشقها وسار في دروبها وتمكن من الوصول إلى فنها وأسرارها .
ومن أولى واجبات المحامي أن يتمسك بالأخلاق القويمة، فالمحاماة علم وخلق، ونجدة وشجاعة، وثقافة وتفكير, ودرس وتمحيص، وبلاغة وتذكير ومثابرة وجلد، وثقة في النفس واستقلال في الحياة وأمانة واستقامة، وإخلاص في الدفاع .
والمحامي البارع ينبغي أن يكون في وسعه الإيحاء للقاضي بالحجج الكفيلة بكسب القضية وأن يكون هذا الإيحاء من المهارة والكياسة بحيث يشعر القاضي أن هذه الحجج هي التي يؤمن بها وأن ينسى دور المحامي في تصديرها إليه، وقد قيل قديما يولد المحامي محاميا، أما القاضي فتصنعه الأيام ، وإن وظيفة المحامي تتطلب من العبقرية والخيال أكثر مما تطلبه وظيفة القاضي، إذ لاشك أن التوفيق إلى استنباط الحجج القوية المؤثرة في الدعوى أصعب فنيا من مجرد اختيار الحجج المناسبة المقدمة من الطرفين لتأسيس الحكم عليها .
فالحقيقة أن المحامي إجمالا، يولي كلا من قضاياه جزءا من حياته وعاطفته، ومشاعره في الغالب ليست متكلفة وليست عابرة، وبعض دعواه تحفر في القلب كلوما تنزف بصمت، وإن هو كتمها بتأنق أليم، ولن يدرك المجتمع أبدا ما يكابد المحامي من انقباض لدى سماعه صوت القاضي الهادئ الذي يتلو الحكم ولا ذلك الوجع النفسي المبرح الذي تحدثه الهزيمة، فالمحامي, حاليا لا يقسم على حصر دفاعه في القضايا العادلة وإنما يقسم على ممارسة مهنته بكرامة وضمير واستقلال وإنسانية, فالدفاع لا يعني بالضرورة التماس كسب الدعوى أو حل ملائم, بل الإسهام في إصدار قرار عادل من الوجهتين الإنسانية والقانونية، قرار يوفق بين القانون والإنصاف .

وما أشبه المحامي بالجراح, فإذا كان الجراح يبسط على طاولة التشريح الجسم الإنساني ليستأصل منه الأمراض والعلل، فإن المحامي يطلع وهو وراء منضدته على مختلف الغرائز البشرية التي تتغلغل في نفس الإنسان فتجعله إما ملاكا سويا وإما وحشا ضاريا .

فالمحاماة هي أمل السجين في سجنه ومرجع الخائف على حقه والمروع في حياته وماله ورسول الطمأنينة والأمن للقلوب الواجفة والساعد التي تمتد للمعاني البائس في بلواه فتنتشله من هذه العواصف والأهواء، هي الرحمة والخبرة والتضحية بأسمى معانيها . والمحاماة عريقة كالقضاء ، ومجيدة كالفضيلة وضرورية كالعدالة، وهي المهنة التي يندمج فيها السعي إلى الثروة مع أداء الواجب، حيث الجدارة والجاه لا ينفصلان، فالمحامي يكرس حياته لخدمة الجمهور دون أن يكون عبدا له، ومهنة المحاماة تجعل المرء نبيلا بغير ولادة وغنيا بلا مال، ورفيعا من غير حاجة إلى لقب، وسعيدا بغير ثروة .

وإذا وازنت بين عمل القاضي وعمل المحامي ..لوجدت أن عمل المحامي أدق وأخطر ..لأن مهمة القاضي هي الوزن والترجيح ..أما مهمة المحامي فهي الخلق والإبداع والتكوين..وحين تكون محاميا فقط، ستستطيع أن تكون طبيبا و مخبرا و مستشارا و محللا نفسيا، وسترتفع قدرة تحملك و ستحقق مرآتبا متقدمة في العدو، و ستصير فجأة كالمستشفى، متعدد الإختصاصات، وستلتقي المئآت الذين يظنونك مكتبة قآنونية متنقلة لا تحتمل الإِحتمالات، وسيسألونكَـ عن كل شيء، و ينتظرون إجابة عن كل شيء، ويتوقعون، إصابتكـ في كل شيء .

 

كل هذا المجد والخلود لفلاسفة العدالة، لا يسع المجتمع دولة وحكومة وشعبا وبشكل متجدد إلا أن يقفوا إجلالا لكل هذا الكرم والجود والعطر الذي يفوح من عبق وثنايا هذه المهنة النبيلة، غير أنه مع حكومتنا هذه التي جعلت كل شيء سلعة، وله قيمة وثمن، وأخضعته لنظام الآلة، اعتقدت أن المحاماة يمكن أن تدخل هذا الإطار، ويتم تسليعها عبر تحجيمها، وإخراجها من صفوة النخبة وعقلية الوعي الجمعي، إلى جعلها مجرد ترقيم عبر تفريد المحامي، وإدخاله في خانة الانبطاحية والغلبة.

فيجب على الحقوقيون أن يساندوا المحامون في هذه المعركة التي خاضها المحامون اليوم عبر قرارهم بالتوقف عن العمل والإضراب المفتوح المعلن، لأنها معركة الدفاع عن الكرامة ودفاعا لحفظ هيبة المحاماة، وحماية لكرامة المواطن والمجتمع عامة، في ظل حكومة تسعى إلى التغول والاستحواذ. على كل شيء من بينها مهنة الدفاع.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.