إسقاط الصحافة أفضل من إسقاط الفساد

0

بقلم:مهدي الكًًََراوي

غريب كيف تنسل بين أيدينا أخبار تتقاسم مع الفئران نفس الجينات، فهي تختبئ دائما في أركان لا تخطر على البال. ومن هذه الأخبار تصريح لجواد الحمري، مدير مكتب الصرف، الذي قال إن «الحكومة استطاعت أن تسترجع قبل متم دجنبر الحالي 1200 مليار سنتيم من الأموال المهربة للخارج»، مع أن الأصح هو القول إن المهربين والمافيوزيين الذين مصوا دماء المال العام للمغاربة، هم الذين استطاعوا استرجاع أموالهم الوسخة بدون أدنى محاسبة ولا متابعة، بفضل عبقرية رئيس الحكومة الذي سن قانونا خاصا لهؤلاء المهربين شعاره المركزي «مرحبا بيكم وبالفلوس اللي سرقتو».
والحقيقة أن بنكيران كان عليه أن يقوم بإعداد وصلات إشهارية في التلفزيون تشجع استقبال كبار المهربين، وتفسر لهم قانونها الجديد الذي يحميهم من المتابعة القضائية ومن السجن، وحتى من إفشاء هوياتهم وأرقام «اللعاقة» التي سيرجعونها للبلاد بعدما هربوها في السابق من تجارة الحشيش والدعارة والحانات والملاهي وميزانيات المجالس المنتخبة والمال العام ومقالع الرمال السرية، ومن كل الموبقات التي تاجروا فيها ونهبوها، وبفضلها أصبحت لهم عقارات وحسابات بنكية في إسبانيا وسويسرا وسنغافورة واللوكسمبورغ وجزر الكارايبي، وفي باقي الجنات الضريبية عبر العالم.
مع أن الخطير في تصريح جواد الحمري، مدير مكتب الصرف، أنه أفشى أرقاما تكشف عن حقيقة هؤلاء المهربين الذين تعهدت الحكومة بستر هوياتهم وأعدادهم بقوة القانون، بعد أن كشف أن هناك وكالات بنكية في المغرب تستقبل في اليوم الواحد 400 ملف، وأن التقديرات تتوقع أن ترتفع الأموال المهربة المسترجعة بدون محاسبة إلى 1500 مليار سنتيم مع متم 31 دجنبر، تاريخ نهاية فترة العفو التي سنتها الحكومة لصالح كبار «الشفارة»، الذين وحدهم من سيترحمون على حكومة بنكيران بعد رحيلها، وسيحتفظون لها بمعزة خاصة، بعد أن غسلت أموالهم وطهرتها وأصبحت بيضاء نقية لا تشتم فيها سوى رائحة المسك.
وسيكون مفيدا لحكومة الإخوان أن تتذكر وقوفها بجانب «البانديدوس» المغاربة، وأن تذكر في سجل إنجازاتها التي ستعرضها في الحملة الانتخابية القادمة، كونها كانت الحكومة الأولى في العالم التي رفعت شعار إسقاط الفساد والريع، ومع ذلك استطاعت أن تنظم الأبواب المفتوحة لمدة عام لكل من أراد أن يغسل «فلوس لحرام»، وبأنها استطاعت تحويل المغرب طيلة سنة 2014 التي نودعها إلى «ماكينة  ديال الصابون»، متخصصة في غسل المال الحرام مع ضمانة حكومية «باش يرجع حلال»، وأنها جندت البنوك والإدارات حتى تنجح عملية العودة الميمونة للأموال المهربة، ومنحت شهادة ميلاد جديدة لكل الأموال السوداء المتسخة التي هربت من وراء ظهر الشعب، وسرقت من أمواله المخصصة لبناء المدارس والمستشفيات والطرق، فإذا بالحكومة تعبد للمهربين الطريق وتعطي مثالا لمن لازال يتردد في سرقة المال العام بأن «السرقة كاينة كاينة والعفو حتى هو».
ويبقى الثالوث الوحيد الذي يلخص إنجازات بنكيران في سنة 2014، هو الرفع من الأسعار والعفو عن المهربين ومحاكمة الوزراء للصحافيين، وحين كنا على صفحات هذه الجريدة ننشر وثائق رسمية وتحاليل علمية تفضح عمليات غش على أعلى مستوى في الأوراش الكبرى، مثل الطريق السيار لآسفي الذي يكلف 400 مليار سنتيم، والمحطة الحرارية للجرف الأصفر التي كلفت 1، 6 مليار دولار أمريكي، ومنح الحكومة لمقالع أحجار لمقاولات تركية عملاقة في إطار تدويل اقتصاد الريع واقتسامه مع الإخوة الأتراك، كان المنتظر أن تقود الحكومة حملة تنظيف لصفقاتها العمومية التي تمول من الميزانية العمومية، فإذا بها تفضل جر يومية «الأخبار» إلى المحاكمة، عقابا لها على أدائها لوظيفتها وإسقاطها إعلاميا للفساد.
الحزب الحاكم اليوم لديه وصفة سرية للاستمرار في الحكومة لولايتين اثنتين، وبالرغم من افتقاده للنتائج وانحصار شعبيته، فهو يعلم أنه بدخوله الحكومة وتعايشه الناعم مع المهربين وبؤر الفساد والمقاولات العملاقة وأصحاب المقالع، قد وضع يده في «الشكوة»،.. والنتيجة مضمونة «إلى ما طلع اللبن تطلع الرغوة».

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.