الجزائر وفرنسا: بين التهدئة والضغوط السياسية
في خطوة مفاجئة تُناقض تصريحات سابقة، دعا الرئيس الجزائري إلى التهدئة مع فرنسا، مؤكداً ضرورة معالجة الخلافات بحكمة. خلال مقابلة مع الصحافيين، كانت رسالته واضحة؛ الجزائر لم تعد ترغب في تصعيد الأزمة مع باريس.
الرئيس الجزائري أرسل ثلاث إشارات رئيسية لتخفيف التوتر بين البلدين: أولها اعترافه بمسؤولية الرئيس الفرنسي ووزارة الخارجية الفرنسية عن الحوار، ثانيها التلميح إلى أن زيارات المسؤولين الفرنسيين للصحراء المغربية لم تعد مصدر استفزاز، وثالثها التأكيد على أن أي حوار بين البلدين يجب أن يتم عبر وزارة الخارجية. هذه التصريحات تشي بتغيير في الموقف الجزائري، الذي كان قد سبق وأصدر بيانات حادة ضد فرنسا بسبب دعمها لمغربية الصحراء.
وتبدو الجزائر وكأنها قد أدركت فشل ضغوطها في تغيير موقف باريس، تماماً كما فشلت في التأثير على موقف إسبانيا. هذا التغيير في الخطاب يُظهر رغبة الجزائر في تجاوز التوترات وعدم الاستثمار في التصعيد.
لكن الرئيس الجزائري لم يكتفِ بالإشارة إلى ضرورة الحوار، بل حاول التأثير على داخلية الدولة الفرنسية، محاولاً تحميلها مسؤولية التوتر بين البلدين. هذا التوجه يهدف إلى إعادة ترتيب الأولويات في العلاقات الجزائرية-الفرنسية، بعيداً عن ضغوط أخرى قد تؤثر على التعاون المستقبلي.
الملف الثالث الذي طرحه الرئيس الجزائري كان ملف الذاكرة. رغم تأكيده على أن هذا الملف ليس موضوعاً سياسياً، أظهر الواقع عكس ذلك. فقد شرع البرلمان الجزائري في تحضير مشروع قانون لتجريم الاستعمار الفرنسي، وهو مشروع يعود إلى عام 2001، ولكن تم تأجيله مرات عديدة خلال فترات التحسن في العلاقات مع فرنسا.
التناقض بين الخطاب الرسمي والسياسات الميدانية يعكس محاولات الجزائر للتعامل مع الضغوط المختلفة، لا سيما من خلال اللعب على أوراق الذاكرة والضغط على باريس. تصريحات الرئيس الجزائري تشير إلى رغبة في تلطيف الأجواء، ولكن في الوقت نفسه، تمارس الجزائر الضغط على فرنسا باستخدام ملفات حساسة كـ”الذاكرة” و”الصحراء”.
في النهاية، يبدو أن الجزائر تسعى لتجاوز مرحلة التصعيد في علاقاتها مع فرنسا، مستفيدة من واقعها الجيوسياسي وأوراقها المؤثرة، مثل الطاقة. ومع ذلك، فإن محاولة الجمع بين التهدئة والضغوط قد تكون أكثر تعقيداً مما يتصور البعض.