الجزائر: أكثر من 200 معتقل رأي في ظلام النسيان وسط قمع همجي من السلطات
كشف موقع “ميديا بارت” الفرنسي في تقريره الصادر تحت عنوان “الجزائر.. أكثر من 200 معتقل رأي طي النسيان” عن واقع مرير يعاني منه مئات من المعتقلين في الجزائر، الذين تم اعتقالهم بسبب تعبيرهم عن آرائهم السياسية، أو تأييدهم لحراك 2019، أو دفاعهم عن حقوق الإنسان. تقرير الموقع أبرز أنه، رغم الحملة الواسعة التي تعرض لها الكاتب الجزائري الفرنسي بوعلام صنصال بعد اعتقاله في نوفمبر 2024، إلا أن هناك العديد من المعتقلين الآخرين الذين لا تزال قضيتهم مجهولة ولا تحظى بالاهتمام الإعلامي الكافي.
وأشار الموقع إلى أن هناك أكثر من مئتي معتقل رأي في الجزائر، معظمهم من الرجال وقلة من النساء، لا يُذكرون إلا نادرًا في وسائل الإعلام، وغالبًا ما يتم اعتقالهم وسجنهم تعسفيًا دون محاكمة عادلة. كما أضاف التقرير أن هؤلاء المعتقلين يقبعون في السجون الجزائرية في انتظار عفو رئاسي محتمل، وكان آخر عفو رئاسي في نوفمبر 2024، شمل عشرة منهم فقط.
يضيف الموقع أن القمع في الجزائر أصبح أكثر شراسة في السنوات الأخيرة، حيث سعت السلطات إلى إسكات جميع الأصوات المعارضة من خلال القمع الوحشي والهمجي الذي لا يرحم. فقد تم حل العديد من منظمات حقوق الإنسان، مثل الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان (LADDH)، كما تم إغلاق العديد من الجمعيات الثقافية والاجتماعية الصغيرة التي كانت توثق انتهاكات حقوق الإنسان. تم إغلاق هذه الجمعيات فجأة ووضع الأختام على مقراتها بتهم ملفقة، مثل تلقي تمويل أجنبي من الاتحاد الأوروبي بحجة “التدخل الخارجي”، في خطوة تكشف عن النهج الاستبدادي الذي تنتهجه السلطات الجزائرية لتكميم الأفواه.
ومع تصاعد القمع، أصبح من المستحيل تقريبًا توثيق انتهاكات حقوق الإنسان في البلاد. يروي التقرير أن الصحافة المستقلة قد تعرضت للمضايقات، ومعها تم قمع المجتمع المدني والمعارضة. وتصف مونيا بن جمية، رئيسة منظمة “EuroMed Droits”، الوضع قائلة: “أصبح من الصعب توثيق ما يحدث هناك. الصحافة، المجتمع المدني، المعارضة، كل شيء مغلق.” كما تؤكد منظمة “هيومن رايتس ووتش” أن العشرات من الأشخاص محتجزون بسبب آرائهم السياسية أو نشاطهم الحقوقي، لكن “توثيق الحالات أصبح أكثر صعوبة بسبب القمع المتزايد في البلاد”.
منذ عام 2019، كانت هناك محاولات حثيثة من قبل الناشطين لفضح القمع الذي تمارسه السلطات الجزائرية. لكن الصمت الذي فرضته الحكومة على معظم القنوات الإعلامية، جعل من الصعب الوصول إلى شهادات حية عن معاناة المعتقلين. وتقدّر منظمة “هيومن رايتس ووتش” أن أكثر من مئتي شخص يقبعون في السجون الجزائرية بسبب تعبيرهم عن آرائهم بحرية. لكن التهم الموجهة إليهم غالبًا ما تكون غير قانونية، حيث يتم محاكمتهم بتهم تتعلق “بالإرهاب”، مثل المادة 87 مكرر من قانون العقوبات الجزائري، وهي تهمة تحمل معها عواقب وخيمة تؤدي إلى إطالة مدة الاحتجاز وفرض عقوبات قاسية.
السلطات الجزائرية تلعب على وتر هذه التهم الثقيلة، مستغلة تاريخ الجزائر مع الإرهاب في التسعينات، لتشويه سمعة المعتقلين الذين يعارضون النظام. ويعترض الكثير من المعتقلين على ربطهم بالإرهاب، معتبرين أن التهم الموجهة إليهم لا أساس لها سوى كونهم اختاروا التعبير عن آرائهم ومساندة قضايا الشعب الجزائري.
واحدة من أكثر القضايا التي تستحق الإشارة هي قضية الصحافي الجزائري إحسان القاضي، مؤسس راديو “M” الذي تم اعتقاله في عام 2022، ثم أُفرج عنه بفضل العفو الرئاسي في نوفمبر 2024، ليتم اعتقاله مرة أخرى في فبراير 2025، حيث تعرض لاستجواب من قبل أجهزة الأمن الجزائرية قبل أن يتم إطلاق سراحه في نفس اليوم. هذا النوع من القمع المستمر يثبت أن السلطات الجزائرية لا تكتفي بإسكات الأصوات المعارضة، بل تسعى لتدمير أي نوع من التنوع الإعلامي في البلاد.
بالنسبة إلى الناشط الحقوقي بسام خواجة، نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في “هيومن رايتس ووتش”، فإن قضية بوعلام صنصال تمثل نموذجًا صارخًا للواقع المؤلم الذي يعيشه معارضو السلطة في الجزائر. ويدعو خواجة السلطات الجزائرية إلى إطلاق سراح جميع معتقلي الرأي الذين تم سجنهم ظلماً، بما في ذلك صنصال وجميع الجزائريين الذين لا يحظون بتغطية إعلامية ولا دعم سياسي.
في هذا السياق، يبقى الأمل في أن تستمر منظمات حقوق الإنسان في الضغط على السلطات الجزائرية لإيقاف هذا القمع الهمجي، والوفاء بحقوق المواطنين في التعبير والحرية، وإنهاء هذا الظلم الذي يطال العديد من الأبرياء.