ابنة سيدي سليمان ابتسام .. معلّمة تزرع البسمة في عمق المغرب المنسي

0

24ميديا:اسماعيل عزام

بعيداً عن نماذج من يستهزئ بتلاميذه، أو من يضربهم، أو حتى من يستغلهم مادياً فيحوّلهم إلى أداة للرفع من دخله، تظهر من حين لآخر نماذج مشرقة لأساتذة مغاربة يضحون لأجل رسم البسمة على أطفال الآخرين، مهما كانت ظروف الاشتغال، ومهما تعدّدت ألوان المعاناة من بُعدٍ وبردٍ وضغط العمل. إنهم أولئك الذين يستمرون في تقديم البرهان على أن المعلم في المجتمع المغربي لم ولن يكون مجرّد موظف يختزل مهنته في أجر شهري وعطل متفرّقة.

ابتسام التبات صاحبة 26 ربيعاً، أستاذة التعليم الابتدائي في شق اللغة الفرنسية بإحدى المدارس القروية بنيابة بولمان، هذا العام هو أول مواسمها في التدريس، غير أن البداية لم تكن بالأنين ألماً وهي المجازة من جامعة ابن طفيل بالقنيطرة، لكنها كانت بحب المهنة، ليس فقط اضطلاعها بمهمة التدريس كأساس عملها، ولكن بصباغة أقسام الفرعية حيث تدرّس، وبثها لجو من المرح مع تلاميذها.

“انخرطت في الحراك الشعبي الذي عرفه المغرب بوعي سياسي، وآمنت أن التعليم هو اللبنة الأولى والمدخل الأساسي للتغيير الديمقراطي بما أنه مهنة صناعة الأجيال” تتحدث ابتسام لهسبريس، حاكية كيف تم تعيينها بفرعية آيت سعادة مجموعة مدارس أولاد علي ويوسف، وبعدها تمّ إرسالها إلى مجموعة مدارس ركو من أجل سد الخصاص بها. ففي أول عام لها، اضطرت إلى أن تشتغل بنقطة من المغرب المنسي، بعيداً عن مسقط رأسها بسيدي سليمان.

لكن رغم البعد وحداثة عهدها بالميدان، عمدت إلى صباغة المدرسة وتزيين القسم وتغليف الطاولات، وشراء الوزرات للتلميذات اللائي ينتمين إلى المستويين الخامس والسادس، لتعود بعد شهر من العمل إلى المكان الأصلي لتعيينها، حيث تدرّس حالياً المستويين الثالث والرابع.

هكذا لم تلتفت ابتسام كثيراً لغياب الطريق وقساوة المناخ وسوء البنية التحتية للمدرسة وغياب سكن وظيفي لائق، بعدما آمنت بآن إنارة شمعة يبقى أحسن من لعن ظلام تأكد الجميع من انتشاره، “ما أفعله هو جزء من النضال الذي ربيت عليه نفسي” تستطرد المتحدثة التي تتذكر لقاءها الأول مع التلاميذ:” سجلت ملاحظات كثيرة وقرأت معاناتهم، واحداً واحداً، واحدة واحدةً، ففكرت أن أول ما يجب أن أبدأ به هو تنظيم صبيحة بهلوانية كي أرسم الابتسامة على وجوههم، وبعدها تزيين الفضاء حيث يدرسون”.

تحرص ابتسام على ملاعبة تلامذتها في أوقات الاستراحة، وعلى تدريبهم على بعض الرقصات والأناشيد التربوية، فضلاً عن عرض أفلام تربوية بعد نهاية الحصص الدراسية. كما قامت رفقة زميل لها في المدرسة، بتخليد اليوم الوطني للتعاون المدرسي، ومن آخر الأنشطة الموازية التي نظمتها، هي الاحتفال بالسنة الجديدة بشكل أدخل البهجة على نفوس تلاميذ وتلميذات يعانون شظف العيش.

لا تخفي ابتسام انتقاداتها للنظام التعليمي المغربي، فهو “نظام ترقيعي، يُكيّف في كل مرحلة مع حاجيات من يوجهونه، ويفتقد للمخططات ذات البعد الاستراتيجي التي تمكّن من خلق ملكة الفكر والإبداع في المواطن كي يكون فاعلاً وليس مجرّد مفعول به”. كما تشير ابتسام إلى أن المسؤولين يشنون حملة ضد المدرّس:” إنهم يهدفون إلى خلف وعي شعبي معادٍ له وإلى إلصاق كل المشاكل به، كي يتملصوا من مسؤوليتهم في الأزمة التي يشهدها القطاع”.

هكذا، ترفض ابتسام تحميل المدرّس كل أوزار التعليم المغربي:” صحيح أن البعض منهم لا يتوفر على الكفاءة العالية، وصحيح أنه لا يمكن قبول استهزاء أو تعنيف أستاذ لتلامذته، كما لا يمكن التسامح مع عديمي الضمير ممن حوّلوا مهنتهم إلى أداة لابتزاز التلاميذ عبر بوابة الدروس الخصوصية، لكن لا يجب أن ننسى الشروط الكارثية للتعليم المغربي، والعنف الرمزي الذي يعانيه المدرّس، وغياب بدائل معقولة لدعم التلاميذ”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.