لماذا الإرهاب الأعمى يضرب مجلة “شارلي إيبدو” ..؟

0

24ميديا:الأمانة العامة للنقابة المستقلة للصحافيين المغاربة

مهما كانت مبررات الذين هاجموا مجلة “شارلي إيبدو”، فإن ما وقع لصحفيي المجلة الفرنسية يجسد قوة عنف الإرهاب الديني الأعمى والبربري ضد أرقى قيم حقوق الإنسان، المتمثلة في حرية التعبير، التي تشكل بوصلة الحكم على مدى تطور أي حضارة أو تخلفها، ولا نعتقد أن الدين الإسلامي جاء لتكريس تخلف حضارة المسلمين، التي يشكل مصباحها المضيء عبر تاريخه منذ البعثة النبوية، والتي تمسك بها السلف والخلف على حد سواء إلى الآن.

لماذا إذن هذا الهجوم الوحشي العدمي على مجلة صحفية ذنبها الوحيد هو الجهر بالحقيقة، والدفاع عن قيم الحرية والديمقراطية والحداثة ..؟ وهل خطأ مجلة “شارلي إيبدو” بنشر الكاريكاتير المسيء إلى النبي (ص) الذي اعتذرت عنه في الوقت المناسب يجب أن تدفع عنه الثمن اليوم من طرف الإرهاب الذي يضرب الشرق الأوسط اليوم ..؟ وهل مجلة “شارلي إيبدو” هي المسؤولة عن الإجرام العدواني الذي لم يعد بالإمكان مقاومته في أي مكان من العالم، وهي التي تملك سلطة القرار في عملياته التفجيرية أو مسؤولة عن مخططات الغرب ضد الشعوب العربية والإسلامية، التي يعبر هذا الإرهاب عن وجوده فيها ..؟

إننا في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، نعتبر هذا الهجوم الإرهابي اعتداء سافرا على حرية التعبير، وعلى المقاومة التي يقوم بها الإعلام المسؤول والحر ضد جميع الانتهاكات التي تطال الشعوب والأفراد والمؤسسات في العالم، وضد الصحافيين والإعلاميين الذين يمارسون مهامهم الإخبارية والتنويرية والنقدية المناصرة للحرية والعدالة والديمقراطية، والمقاومة للاستبداد والفساد والقمع والبؤس والظلم في أي مكان، ونؤكد على تضامننا المطلق مع جميع ضحايا هذه الهجمات الفوضوية الماضوية التي تستهدف الصحافيين والإعلاميين في أي مكان من العالم، وفي نفس الاتجاه نهيب بالإعلاميين والصحافيين بضرورة الاحتياط وتجنب الانزلاقات والتجاوزات التي تكون وراء هذه الهجمات، ومنها احترام قيم وثقافات المجتمعات الأخرى، ونوجه انتباه القتلة العدميين إلى أن الإسلام ليس في حاجة إلى هذا النموذج من السلوك للدفاع عنه، وأنه دين للتسامح والتواصل في مرجعيته الأصلية الإنسانية، ولم يكن بهذه النزعة التدميرية الوحشية والإقصائية التي تروج لها هذه الجماعات المتطرفة على اختلاف أسمائها، والتي تخطت كافة الحدود والدرجات في تصعيدها الدموي، الذي لا يميز بين ضحاياه، والذي لم يكن يوجه حتى الفتوحات التي قادها الأميون والعباسيون والعثمانيون والمغول فيما بعد الذين حرصوا على احترامهم للآخرين ومعتقداتهم، ولم يعاملوهم بهذه الفلسفة العنصرية المتخلفة التي يسقط فيها الأبرياء أكثر من الأطراف المستهدفة، مما يؤكد افتقار هذه الحركات الإرهابية إلى الإيمان بقيم الإسلام ونبل دعوته، التي تحترم ثقافات الآخرين، وتتبنى حسن التواصل مع محيطها الاقتصادي والاجتماعي ومع بقية الشعوب الأخرى، التي تفاعلت معها حضاريا واكتسب منها ما وظفته في إشعاعها الحضاري الجديد، وعلى نقيض مما تدعو إليه هذه الحركات التي توظف المشروع الإسلامي لخدمة أهدافها السياسية، والهيمنة المتعارضة مع جوهر هذا المشروع الديني الذي يمثل رؤيا متقدمة في تفسيرها للعالم، وفي تصورها لما يجب أن يكون عليه في إطار مجتمع إنساني متسامح ومتضامن، ويقبل بالفروق والاختلافات التي توجد بين مجموعته البشرية، والذي عكسته شروح المذاهب الإسلامية الكبرى الصحيحة التي يلتف حولها المسلمون اليوم، بالمقارنة مع توجهات هذه الحركات التي لاتؤمن بالحوار مع الجميع، وترفض التواصل مع المتخلفين والمعارضين له، ولم يكن في دعوته ضد الحريات الإنسانية للإنسان والمجتمع، وعليهم البحث فيما يقلص الاحتياطات والإكراهات التي يواجهونها، بعيدا عن توظيفه بهذه الطريقة الهمجية المتخلفة إن كانوا يؤمنون بقيمه الحضارية والفردية والإنسانية، التي يؤكد عليها إشعاعه العالمي المتزايد بأرقى القيم الأخلاقية والسياسية والثقافية والروحية، التي وصل بها اليوم إلى كل قارات العالم، بدل الرهان على الفهم المغلوط لمفهوم الدعوة عن طريق الجهاد المظلم والمتخلف، الذي تتبناه هذه المجموعات المتطرفة في الظرف الراهن.
 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.