حول دور الهوية الثقافية المتعددة في استقرار المجتمع المغربي

0

نعم للحركة الأمازيغية المغربية في تحركاتها من أجل إبراز مقومات المكون الأمازيغي في النسيج المجتمعي المغربي، لكن لا يجب أن يذهب إلى مستوى التنكر لباقي مكونات هذا النسيج المتمثلة في المكون الأندلسي والحساني والعروبي والإفريقي، فجميعها عناصر خصوبة وثراء الهوية المغربية المتعددة، ولن تكون إلا كما هي عنوانا للتنوع والأصالة التي تضمن الوجود البشري في هذه الرقعة من شمال إفريقيا على امتداد كل الحقب التاريخية، ولم يكن المكون الأمازيغي المغربي بلهجاته الفرعية التي تحمل خصائص المحيط الجغرافي، الذي ولدت فيه إلا تجسيدا لهذه الهوية المغربية المتعالية على أصولها الثقافية المتعددة، التي ساهمت في إغناء التراث الثقافي الوطني حتى الآن.

من فينا من المغاربة يمكنه التنكر لهذه الأصول المشكلة لهويته اللغوية والحضارية والدينية والتاريخية ..؟ فجميعنا مغاربة من هذه الأصول “العروبية والأندلسية والإفريقية والأمازيغية والحسانية”، التي تفاعلت لشكل هذه الشخصية المغربية بما هي عليه، والتي يصعب على أي مكون فيها ادعاء الاستقلال عن بقية المكونات الأخرى، ويكفي أن موقعنا الجغرافي كان دائما سببا في إغناء هذه الخصائص التي تقوم عليها خصوصية الشعب المغربي، ويستحيل على من يريد أن يعرف حقيقة الشخصية المغربية استبعاد هذه الخصائص التي نشأت عليها عبر تاريخ الوطن، وهذا ما يفرض استمرار الشعوب بوحدة الاتحاد والثقافة والحضارة في نفوس الجميع، والابتعاد عن القناعات التي تريد التشكيك في عمقنا العربي والأمازيغي والأندلسي والحساني .. وعلى أحمد عصيد وغيره من غلاة الإخوة المغاربة المتمسكين بانتمائهم الأمازيغي، أن يدركوا أن نظرية العرق والخصوصية الحضارية التي يدافعون عنها لا مكان لها في تركيب الهوية الثقافية المغربية، التي ظلت منذ بداية الاستقرار السكاني في شمال إفريقيا بعد تراجع الجليد من أهميته على ما حملته معها من الحضارات الشرقية في كل جوانب الحياة اليومية، ويكفي أن التراث الأمازيغي الأصيل يكمن في التراث الذي كتب بالحرف العربي، كما أن حماية الخصوصية الثقافية والدينية للمنطقة حتى الآن، ساهم فيها هؤلاء الأمازيغ الشرقيون المنحدرون من شبه الجزيرة العربية، وأن هجراتهم التاريخية لشمال إفريقيا أطرتها القبائل القحطانية العربية الجنوبية، التي تحافظ على المنتوج الحضاري المشترك حتى الآن.

إننا في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، لا نعترض على الحراك الأمازيغي من أجل تفعيل دسترة الأمازيغية وباقي المطالب الحقوقية المرتبطة بها، لكن ضد الحراك المدعوم من الخارج، المنفذ للأجندات المعادية للوحدة والاستقرار التي يوجد عليها الوطن، حيث نتلمس مناورات الخصوم على أكثر من صعيد .. ونعتقد أن العربية والإسلام حافظتا على وجودها في حياة المجتمع المغربي بفضل مساهمة المكون المغربي الأمازيغي، وإلى اليوم لا يزال التراث الإسلامي والعربي قويا في المغرب بفضل الدور الريادي الذي قام به هذا الفيصل المغربي عبر تاريخ المغرب السياسي منذ قيام الدولة الإدريسية، التي حماها وصانها والذي توالى انخراطه في هذا الاتجاه في كل الدول التي تعاقبت على الوطن حتى الآن.

لذلك، فإننا نعتز بانتمائنا لهذا النسيج المجتمعي الأصيل بأصوله المتنوعة الإفريقية والعروبية والأندلسية والأمازيغية والحسانية، الذي يشكل صمام استقرار وأمن المجتمع حتى في أحلك المراحل التاريخية .. ويكفينا أن نفخر بمقاومة المغاربة للظهير البربري في عهد الحماية التي تشكل اقرب فترة تاريخية إلينا، وبما يوجد من تواصل وتفاعل في الهوية المغربية التي يعود لأمازيغ المغرب الفضل في الحرص على ما هي عليه اليوم .. خصوصا، في طابعها العربي والإسلامي الذي تجدر وترسخ في الوجدان الفردي والجماعي، وفي العقل الجمعي المغربي الذي نلمسه في المغرب بهذا العمق الأمازيغي، الذي يحاول المدافعون عنه التنكر لذلك، ولنا في نسبة من يحفظ القرآن، ويمتلك المعرفة الجيدة باللغة العربية من المغاربة، الذين يعيشون في هذه المناطق ذات الكثافة الأمازيغية إلى الدرجة التي يمكن القول معها أن القلاع المحصنة والمنيعة التي حافظت على تمسك المغاربة بهويتهم العربية والإسلامية تعود إلى ما بذله علماء ومثقفو هذه المناطق، التي تحاول هذه الحركات الأمازيغية تجاهله.

ما ينبغي أن ننبه إليه إخوتنا في هذه الهوية المجسدة للعيش المشترك المغربي بتيماته الأندلسية والحسانية والعروبية والإفريقية، هو أن السلم والتفاعل العرقي والثقافي الذي ظل عليه الوطن منذ ما قبل انتشار الإسلام، وبناء الدولة المغربية بمواصفاتها المعلومة للجميع، هو أن اللهجات المتنوعة المتداولة في المجتمع المغربي لم تعرقل وحدة المغاربة في تدينهم وثقافتهم، بالرغم من كل محاولات التشويه الاستعماري القديم والحديث، وستظل كذلك وفق ملامح نموذجنا المجتمعي المتميز في شمال إفريقيا، ولن تشوهها محاولات البلبلة والتفرقة العرقية الممولة من الخارج .. وبالتالي، أن هذه الهوية والخصوصية الثقافية المغربية المتنوعة ستحافظ على تفردها اتجاه العولمة الرأسمالية الجديدة، التي تبحث عن منافذ الهيمنة على الدولة عبر البوابة العرقية، التي فطن المغاربة لها مبكرا، وسنظل على أهبة الاستعداد لمواجهتها مهما كانت تكاليفها وفاتورتها، كما فعل أجدادنا من قبل، لأن ما يجمع المغاربة في تراثهم الحضاري أكثر مما يراهن عليه خصومنا على اختلافهم بما فيهم الذين يحاولون تنفيذ أجندتهم داخل الوطن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.