رجال أعمال وسياسيون سقطوا ضحية أعمال السحر والشعوذة
24ميديا:عزيز الحور
قد تشاهدون بعضهم في التلفاز يوقعون اتفاقيات أو يقدمون تصريحات، وهم، في الوقت ذاته، يجتهدون في مداراة مشاكل معقدة بابتسامات مرسومة بعناية. شخصيات معروفة راحت ضحية شبكات تنشط في أعمال السحر والشعوذة.
من عادة محترفي النصب عن طريق الشعوذة وأعمال السحر تصيد ضحايا من الأثرياء أو الشخصيات العمومية لسببين؛ أولهما ضمان توفر الضحية على أموال يمكن أن تسلب منه عبر إيهامه بقدرات خارقة، والسبب الثاني هو احتمال تحرج هذه الشخصيات من الخروج إلى العلن والتبليغ عن تعرضهم للنصب من طرف مشعوذين طرقوا أبوابهم واستقبلوهم بمحض إرادتهم في غالب الظن.
لهذا السبب قد تظهر ملفات داخل محاكم المملكة يكون أبطالها أشخاص متهمون بالنصب عن طريق السحر، وضحاياها آخرون ذوو جاه ومال وحظوة اجتماعية خاصة، غير أن هذه الملفات تحاط بكل ظروف التكتم رغم أنها تنطوي على تفاصيل مثيرة.
في «تحقيق الأسبوع» نفتح بعض هذه الملفات التي تمكنا من الحصول عليها، ونكشف حقيقة شبكات تترصد أثرياء المغرب ومسؤولين به لإيقاعهم في دهاليز السحر وعالم الشعوذة.
روائية معروفة تسلبها عصابة «السماوي» 61 مليونا ومجوهرات وأثرياء ومطربون ضمن قائمة الضحايا
قبل شهور تفجر بسطات أحد أغرب ملفات النصب عن طريق السحر والشعوذة، ما يظهر الدهاء الذي بلغه محترفو هذه العمليات. الأمر بدأ بإيهام شخص ثري بوجود حجر ذي قيمة كبيرة جدا مدفون في مكان ما بخلاء بضواحي سطات. الضحية أغدق مالا وفيرا على المتهمين، الذين عرضوا على أنظار القضاء، لاستخراج الحجر، إذ انتقل معهم إلى مكانه، قبل أن يفاجأ بمباغتتهم من طرف سيارة تحمل لوحة ترقيم مكتوب عليها «المغرب». ظن الضحية أن الأمر يتعلق بسيارة مسؤول ترابي أو عناصر درك ففر كما فعل النصابون. في النهاية تبين أن الأمر كان محض مسرحية استعملت فيها سيارة تحمل لوحة الترقيم المذكورة.
غير أن أغرب قصص النصب التي ينفذها محترفو سحر وشعوذة هي التي يكون ضحيتها أشخاص معروفون وأثرياء، كما يظهر من خلال الوقائع التي نوردها في ما يلي.
والدة مسؤول بالداخلية تتعرض للنصب
شهر شتنبر الماضي أوقفت الشرطة القضائية بالمنطقة الأمنية الثانية بالرباط أفراد شبكة متخصصة في النصب عن طريق ما يعرف بـ«السماوي»، تحترف ممارسة طقوس الشعوذة للتأثير على نساء تظهر عليهن أمارات غنى.
بين هؤلاء النسوة كانت والدة مسؤول رفيع بوزارة الداخلية، والتي سلبها ثلاثة من أفراد الشبكة المذكورة مجوهرات قيمتها 12 مليون سنتيم. الوصول إلى أفراد الشبكة تم بعد تحرك مسؤولين أمنيين كبار. بدأ ذلك بعرض صور متهمين معروفين بنشاطهم بالنصب على أشخاص بواسطة ما يعرف بـ«السماوي». تعرفت المرأة على بعضهم.
البحث أظهر أن المتهم الرئيسي في الملف يقيم بمدينة خريبكة. فور تحديد هويته انتقلت المجموعة السابعة التابعة للفرقة الجنائية الولائية إلى هاته المدينة لتوقيفه. حين مواجهته بوالدة المسؤول بالداخلية ظهرت حقيقة العملية التي نفذها، إذ قام بإيقافها عندما كانت مارة بالشارع مستفسرا إياها عن مكان وجود مسجد النور بحي أكدال بالرباط. الضحية أخبرته أنه لا وجود لمسجد يحمل هذا الاسم بحي أكدال، ليظهر المتهم الثاني ويخبر الأول أن هناك مسجدا يدعى مسجد بدر في الجوار، ويبدأ معه حوارا سيقت والدة المسؤول بالداخلية لحضوره.
بدأ ذلك بإخبار المتهم الأول للثاني أنه يعاني حالة اكتئاب بسبب مشاكل شخصية، كما أن والده مريض ويرقد بالمستشفى، ليجيبه المتهم الذي كان فقط يحاول إرشاده إلى مكان المسجد أن كلامه صحيح. خلال هذه اللحظة بدأت الحيلة تنطلي على والدة المسؤول، والموظفة المتقاعدة، خصوصا بعدما حضر متهم ثالث أخبره الأول أنه يحمل معه شيكا بخمسة ملايين سنتيم، ليجيبه الشخص الثالث بأن هذه المعلومة صحيحة، لتسقط المرأة في شباك العصابة التي أقنعها أفرادها بإحضار مبلغ 12 مليون سنتيم بخزنة حديدية بمنزلها إليهم بداعي مباركتها قبل سلبها منها وتركها مشدوهة وسط الشارع.
مشاهير ضمن الضحايا
على النحو ذاته تعرضت كاتبة وروائية مغربية معروفة لعملية نصب. حدث ذلك مطلع سنة 2008 عندما اعتقلت عناصر الشركة القضائية لأمن أنفا بالدار البيضاء شخصا اتهم بسرقة 61 مليون سنتيم، فضلا عن حلي ذهبية، من الروائية، عن طريق ما يعرف بـ«السماوي». تم ذلك بالقرب من منزل الروائية بحي المعاريف، إذ استوقفها الأشخاص الثلاثة وتوجه إليها أحدهم بالكلام قائلا: «أنا جيت من بويا عمر، ونتي مسكينة ما عندك زهر ومريضة، والفلوس اللي عندك في البنك مخبياهم خاصك تجبديهم نقراو عليهم باش تولي فيهم البركة».
مكث المتهمون مع الضحية ساعة كاملة قاموا خلالها بإجبارها على سحب مبلغ 61 مليون سنتيم من حسابها وأخذ حلي ذهبية من منزلها وتقديمها لهم. بعد انصراف المتهمين وتيقن الكاتبة المعروفة أنها راحت ضحية عملية نصب أخبرت الأمن ليتم التحقيق في الواقعة بدءا بالاطلاع على تسجيل كاميرات المراقبة المثبتة بالوكالة البنكية التي سحبت منها الضحية المبلغ، حيث ظهر المتهمون ليتم تحديد هويتهم وتوقيفهم.
في المقابل، تكثر وقائع تعرض أشخاص معروفين وأثرياء وأجانب، وخاصة خليجيين، لعمليات سحر قصد ابتزازهم وإجبارهم على أداء أموال للتخلص مما حاق بهم. الأمر نفسه حدث لعمر القزابري، إمام مسجد الحسن الثاني، سنة 2010، عندما ظهر، بعد تقديمه شكاية، أنه يتعرض لابتزاز من طرف ساحر يوناني، إضافة إلى المغني عبد العالي أنوار الذي ظهرت صور له ضمن محجوزات ضبطت لدى مشعوذين وقد كتبت فوقها طلاسم غير مفهومة.
حتى في المدن الصغرى تحدث أمور مشابهة، إذ انطلقت، الصيف الماضي، بالمحكمة الابتدائية ببركان، تفاصيل عملية نصب قام بها مشعوذون وراح ضحيتها رجل أعمال معروف بالمدينة. القصة بدأت حينما لاحظ رجل الأعمال المذكور أمورا غريبة تحدث داخل منزله، بينها، كما يقول، اكتساح ماء أسود منزله، فضلا عن ظهور تراب في جيبه أو فوق فراشه، فضلا عن حيوانات نافقة يجدها مسجاة أمام باب منزله.
ما زاد من شكوك رجل الأعمال المذكور هو تعطل كاميرات المراقبة التي ثبتها بمدخل منزله فجأة دون أن توثق لحقيقة جثث الحيوانات التي يجدها أمام منزله. خلال هاته الفترة حدثت اضطرابات في سلوك رجل الأعمال الذي طلق زوجته ودخل جحيما جعله يبحث عمن يقف وراء ما يحدث له لتبدأ معاناته مع شبكة من محترفي الشعوذة انتهت بتوقيف أحدهم بضواحي وجدة قبل الوصول إلى الآخرين.
الراشدي: «عمليات النصب من طرف محترفي السحر تكون تهديدية»
هل يدخل الحصول على أموال من أشخاص بعد إيهامهم بقدرات خارقة لا تتحقق في الواقع ضمن عمليات النصب؟ ما القرائن التي يتم الاعتماد عليها لتكييف هذه الأفعال ضمن خانة النصب والاحتيال؟ هل المشتكون من النصب من طرف محترفي الشعوذة هم ضحايا فعلا أم متورطون؟ هل هناك ما يمكن أن يضمن سرية هويات المبلغين عن تعرضهم للنصب من طرف أشخاص يمارسون السحر لاعتبار مكانتهم الاجتماعية التي قد تهتز بسبب الملفات التي أقحموا فيها؟ أسئلة تظهر خلال التعامل القانوني مع مثل هذه الملفات، وللاقتراب من إجاباتها اتصلنا ببوشعيب الراشدي، المحامي بهيأة الرباط، والذي قال موضحا: «النصب معرف في القانون الجنائي في الفصل 540 الذي يشير إلى أنه يعد مرتكبا لجريمة النصب، ويعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من خمسمائة إلى خمسة آلاف درهم، من استعمل الاحتيال ليوقع شخصا في الغلط بتأكيدات خادعة أو إخفاء وقائع صحيحة أو استغلال ماكر لخطا وقع فيه غير هو يدفعه بذلك إلى أعمال تمس مصالحه أو مصالح الغير المالية بقصد الحصول على منفعة مالية له أو لشخص آخر وترفع عقوبة الحبس إلى الضعف والحد الأقصى للغرامة إلى مائة ألف درهم، إذا كان مرتكب الجريمة أحد الأشخاص الذين استعانوا بالجمهور في إصدار أسهم أو سندات أو أذونات أو حصص أو أي أوراق مالية أخرى متعلقة بشركة أو مؤسسة تجارية أو صناعية. ولهذا تميل وقائع سلب أموال أشخاص في عمليات السحر والشعوذة إلى كونها عمليات نصب لأن هذه الأعمال تتم عبر وسائل نصب وتهديد بالقول للضحية مثلا: «إذا لم تقدم بركة السيد أو «الجواد» غادي يخرجو فيك»…
لكن لماذا لا يفرد ركن خاص في المادة الجنائية يشخص النصب عن طريق السحر والشعوذة ويحدد عقوبته على نحو دقيق. المحامي الراشدي يرد قائلا: «لا يمكن للمشرع أن يخلق نصا حول كل نازلة وتفاصيل فعل محدد، لأن المادة القانونية هي عامة وشاملة وغير مخصصة، وبالتالي فسلب أموال من شخص عن طريق الشعوذة والدجل يكيف على أنه نصب».
وبخصوص ظروف التبليغ وإثبات وقائع نصب من طرف محترفي شعوذة، يضيف المحامي بهيأة البيضاء: «التبليغ عن جريمة يظهر حسن نية المبلغ، الذي يريد فضح ممارسة أو فعل مجرم. وعلى عكس الرشوة مثلا حيث يوجد الراشي والمرتشي، لا يوجد في النصب نصاب ومنصوب عليه يتحملان معا العقوبة. أما بالنسبة للإثبات فإنه يرتكز على أقوال الأطراف واعتراف المتهمين وإفادات الشهود أساسا».
التفاصيل الكاملة لسلب سيدة أعمال وابنة ملياردير معروف مليارين و700 مليون سنتيم في أعمال سحر
أثناء قراءة هذه السطور، تجري أطوار النظر في ملف أحيل على المحكمة الجنحية بالدار البيضاء أواخر السنة الماضية. الملف يظهر كيف وقعت سيدة ثرية بين يدي شبكة احتيال عن طريق السحر. يتعلق الأمر بـ»ه. ب. س»، إحدى أفراد عائلة معروفة تتربع على عرش مجموعات استثمارية كبرى بينها شركة عقارية شهيرة.
«ه.ب.س»، خريجة أرقى مدارس التجارة في كندا وإحدى مسيرات أرفع المؤسسات المالية، وسليلة أحد أغنياء المغرب وشقيقة أكثر رجال الأعمال نفوذا في البلاد، أضحت مفلسة وبدون منزل يؤويها.
منتصف شهر أبريل، وفي غمرة عمل «ه.ب.س» على رأس مؤسسات محسوبة على عائلتها الشهيرة، وضمنها مؤسسة مالية توجد «ه.ب.س» بين المشرفين عليها، تعرفت هذه المرأة الثرية، البالغة من العمر 43 سنة على امرأة أخرى تصغرها بخمسة أعوام، قلبت حياتها رأسا على عقب، كما تقول في محاضر الاستماع إليها.
بين أيدي «جنود الله»
في الثالثة من زوال يوم 27 غشت 2014، تقدمت «ه.ب.س» إلى أحد مراكز الدرك الملكي «طماريس» بالدار البيضاء، وهي في حالة انهيار تام. لم تتوقف عن البكاء وهي تدلي بتبليغ بجمل متهدجة تنم عن رعب جلي. القصة بدأت وانتهت بتسليمها، كما تقول، مبلغا فلكيا قدره مليارين و700 مليون سنتيم لامرأة مقابل «علاجها من جميع أمراضها عن طريق إحياء ليالي وطقوس روحانية بزوايا مختلفة وإلا سيكون مصيرها التعرض لمكروه، بل وفاتها»، كما تقول.
لم تعد «ه.ب.س» تتحمل صرف مبالغ إضافية للمتهمة «ل.م» خصوصا بعدما طالبتها بتسليمها مبلغ 500 مليون سنتيم يوم السبت 30 غشت الماضي، لغرض العلاج كما تدعي. حينها قررت «ه.ب.س» التبليغ عن وقائع في غاية الإثارة.
كل شيء بدأ في فاتح أبريل 2013. كانت «ه.ب.س» قد تطلقت من زوجها قبل نحو خمس سنوات. إثرها تعرضت وضعيتها النفسية لتدهور بالغ أصبحت تعاني معه مرضا صعب معه العلاج رغم تدخل أطباء اختصاصيين، كما تقول. عمل «ه.ب.س» وعلاقاتها الاجتماعية تأثرت بهذا العارض الصحي، خصوصا أنها كانت مسؤولة عن طفلين. في بداية أبريل التقت «ه.ب.س» بالمتهمة «ل.م». الوسيط في هذه العلاقة كانت صديقة لـ«ه.ب.س» في العمل.
فتحت «ه.ب.س» قلبها للصديقة الجديدة، «ل.م»، وقصت عليها تفاصيل معاناتها، لتقنعها المتهمة أنه بإمكانها معالجتها. بدأ الأمر بمطالبة المتهمة لـ«ه.ب.س» بالمواظبة على الصلاة والتمسك بالدين. لم تكن تلم «ه.ب.س» من أمر الدين كثيرا. المتهمة أقنعت «ه.ب.س» بأن تشخيص مرضها أكد لها ضرورة الخضوع لـ«حصص تذويب اللدون»، قصد التخفيف من ألمها.
العلاقة ستتطور إلى درجة أن المتهمة تملكت الضحية، بحسب تصريح الأخيرة، خصوصا حينما أخبرتها المتهمة بأن هناك عوارض و«عكوسات» داخل جسمها مخبرة إياها أن هناك «جنود الله من المسلمين سيعملون على محاربة جنود من كفار المسلمين الذين يسيطرون على جسمها». أقنعتها بأنها ستتكلف بشفائها عن طريق إحيائها، رفقة خادمتها، عدة ليال داخل زوايا بمولاي بوعزة وبويا عمر وبويا رحال وشمهروش، بضواحي مراكش، ومولاي إبراهيم، وسيدي علي بنحمدوش، بضواحي مكناس، وسيدي مسعود بن احساين، ومولاي إدريس زرهون، والزاوية العيساوية بمكناس، وزاوية بضواحي مرزوكة، وزواية الحج بضواحي طنجة.
للإعداد لهذه «الزيارات» تسلمت المتهمة من الضحية مبالغ مالية تراوحت ما بين 20 إلى 100 ألف درهم، من أجل شراء الذبائح وصباغة الزوايا وتقديم المساعدات والقرابين لأصحاب الزوايا. منذ ذلك الوقت بدأت الفاتورة ترتفع بتعدد عدد ليالي «الحضرة» وزيارات الأضرحة. تقول «ه.ب.س» إن المتهمة تسلمت منها، شهر ماي 2013، مبلغ 23 مليون سنتيم لشراء سيارة «بوجو» رمادية اللون، كما منحتها، في يونيو 2013، مبلغ 22 مليون سنتيم من أجل إحياء ليلة لمنزل المتهمة الواقع بدار بوعزة. خلال تلك الليلة حضر، وفق تصريحات المشتكية، نحو 25 شخصا بينهم 15 شخصا من أفراد فرقة عيساوة برئاسة شخص يدعى «الكوهن». كان هناك أيضا جزارون لذبح القرابين كما تؤكد.
بدعوى السيطرة على نفسيتها، وفق تعبيرها، شرعت «ه.ب.س» في تمكين المتهمة من مبالغ مالية كبيرة. المتهمة كانت، حسب أقوال المشتكية، تخيفها بوقوع مكروه إذا لم ترصد ما يتيح تنظيم ليال وتقديم قرابين. في غشت 2013، تسلمت المتهمة من الضحية، وفق أقوال الأخيرة، مبلغ 13 مليون سنتيم. المتهمة أخبرتها أنها ستذهب بالمال، رفقة خادمتها، من أجل إحياء ليال لعلاجها وتخليصها نهائيا من «العوارض والعكوسات الموجودة بداخلها وداخل أسرتها». إثر ذلك بدأت المطالب تتضخم على نحو مثير للانتباه.
الفاتورة تتضخم
طلبت المتهمة من الضحية، حسب إفادات الأخيرة، شراء منزل بسيدي علي بنحمدوش، ضواحي مكناس، مدعية أنه المكان المناسب لعلاجها «تلبية لجنود الله المسلمين، والمدعوة الميمة»، كما تقول «ه.ب.س»، مضيفة: «وافقت على طلبها حيث خلال شهر شتنبر من سنة 2013، اشتريت لها منزلا من عند أحد الأشخاص بمنطقة سيدي علي ضواحي مكناس بثمن 80 مليون سنتيم، حيث سلمت لـ«ل.م»، وقتها مبلغ 30 مليون سنتيم وللعدلين اللذين حررا عقد شراء المنزل 26 ألف درهم عن طريق شيك».
الضحية أخبرت المتهمة أن ملكية المنزل المقتنى تتقاسمها معها، غير أن المتهمة حصلت على العقد، كما تقول المشتكية، مضيفة أنها طالبتها، بعد ذلك، بشراء سيارة قصد التنقل بواسطتها إلى الزوايا من أجل التعجيل بعلاجها، كما تقول، لتقوم «ه.ب.س»، في شهر أكتوبر، بشراء سيارة رباعية الدفع بثمن 30 مليون سنتيم ونصف للمتهمة من وكالة بيع سيارات بمنطقة عين الذياب بالبيضاء.
وتردف سيدة الأعمال: «أمام تمكنها مني تماما بعدما أصبحت كجهاز التحكم في يدها، وكلما طلبت مني أي شيء أعمل على تنفيذه في الحين مستغلة تخويفي بتعرضي لعدة كوارث سلبية في حالة عدم امتثالي وخضوعي لرغبتها، كما كانت تهددني بعدة عقوبات متجلية في عقوبات مادية كي تزول مني، حسب ذكرها، وساوس النقود: عقوبة المرض والوفاة وإبعادي عن عائلتي وجميع الأشخاص المقربين إلي سواء في عملي وكذا أصدقائي، إلى درجة وصل بي الحال إلى الانكماش والانعزال تماما عن المجتمع الخارجي بما فيهم أبنائي. وخوفا من تعرضي لمكروه سلمتها، خلال شهر دجنبر 2013، مبلغا ماليا قدره 21 مليون سنتيم، كما أصبح شغلي الشاغل هو كيفية تدبري وحصولي على الأموال قصد تلبية حاجياتها غير المنقطعة، مما زاد من معاناتي وآلامي خصوصا وأنني أصبحت لا أتذوق طعم النوم».
مضت الأمور، إثر ذلك، على نحو متسارع، وفق ما تحكي المشتكية، قائلة إن المتهمة طلبت منها، في شهر يناير 2014، تسليمها جواز سفرها من أجل الإعداد لأداء مناسك العمرة حتى تستكمل مراحل علاجها، حسب زعمها. في الوقت ذاته دفعت «ه.ب.س» مبالغ مالية إضافية بلغت 9 و12 و33 مليون سنتيم لتنظيم ثلاث ليالي متتالية بمنزل سيدي علي بنحمدوش.
غير أنه، خلال ماي الماضي، حدث أمر زاد من اقتناع «ه.ب.س» بأن ثمة قدرة خارقة لدى «ل.م» فعلا. حدث ذلك عندما طلبت منها تسليمها مبلغ مليار سنتيم لأن «جنودها المسلمين هم الذين طالبوها بهذا المبلغ». لم تتدبر «ه.ب.س» الأمر. تزامن ذلك مع مرض ابنها ومرورها بأزمة نفسية جعلته ينقطع عن الدراسة. استغلت المتهمة الأمر، وفق المشتكية، موهمة إياها أن الأمر كان انتقاما، لتطلب منها رفع المبلغ إلى مليار ونصف مليار سنتيم وإلا سيموت ابنها. لجأت «ه.ب.س» إلى رهن الفيلا التي تملكها والواقعة بحي «كاليفورنيا» الراقي لدى ثلاثة أبناك مقابل 900 مليون سنتيم، كما اقترضت المبلغ الباقي من أصدقائها وسلمته للمتهمة على شكل دفعات رفقة مجوهرات وحلي ذهبية قيمتها 300 مليون سنتيم.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد طالبت المتهمة المشتكية بمبلغ ضخم آخر بعدما تعرض ابن «ه.ب.س» لحادثة سير زعمت أنها بفعل جنودها المزعومين. في النهاية، بلغ مجموع المبالغ التي حصلت عليها المتهمة من «ه.ب.س»، باحتساب المجوهرات، ما يعادل مليارين و700 مليون سنتيم.
كانت «ه.ب.س» قد دخلت عوالم لم يخطر ببالها قط أنها ستقحم داخلها. تقول، في معرض تصريحات إضافية لها: «الليالي والطقوس التي حضرت لها بالزوايا المذكورة، التي كانت عبارة عن غرف صغيرة مزينة بقماش من الثوب مكتوب عليه: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وتضم أواني خاصة بالبخور، حيث كانت «ل.م» ترتدي، وقتها، لباسا أبيض وتضع في بعض الأحيان تسابيح في يديها، كما كانت تلبسني جلبابا أبيض وتأمرني بالقيام بالجذبة على إيقاعات الموسيقى الروحية للفرق من عيساوة التي كانت تحضر وقتها والتي كانت تضم في أغلب الأحيان 15 عنصرا، كما كانت تعطيني، بين الفينة والأخرى، عدة فناجين من القهوة السوداء التي كانت ترفع من هيجاني وتعطيني قوة روحانية لدرجة أنني وقتها كنت لا أشعر بشيء أقدم على فعله مثل ضرب نفسي بالسكاكين والزجاج».
وتستطرد «ه.ب.س» التي اكتشفت سقوطها ضحية نصب، بعد فقدانها لأزيد من مليارين ونصف، قائلة: «جل هذه الزوايا كانت تضم حوالي 20 إلى 30 شخصا، وتذبح فيها ثلاث بقرات وثلاثة أكباش من طرف جزارين كانا يحضران هما الآخران إلى هذه الطقوس. «لتفقد جميع أخباري داخل منزلي وتقصي أسراري، جلبت لي «ل.م» الخادمة السينغالية (…) التي اشتغلت عندي مدة تسعة أشهر تقريبا وغادرت منزلي قبل شهرين».
لحظة الانهيار
رغم إفلاس المشتكية طالبتها المتهمة، كما تقول، بمنحها مبلغ 500 مليون سنتيم، نهاية شهر غشت الماضي. حينها قررت «ه.ب.س» التبليغ عن الأمر. تم نصب كمين بعد تلقي «ه.ب.س» اتصالا من المتهمة لتحديد موعد لتسليمها المال المتفق عليه. تخلفت المتهمة عن الموعد بخمس ساعات، قبل أن تتصل بالمشتكية وتخبرها بأن سائقها سيأتي عندها لتسلم المبلغ.
حين حضور السائق وتسلم الظرف الذي كان المال بداخله تم اعتقاله ليبدأ البحث عن الجانب الآخر من الحقيقة. وضع السائق رهن الحراسة النظرية، رغم نفيه علمه بكل ما يقع. بعد ذلك نقل السائق عناصر الضابطة القضائية إلى منزل المتهمة ليتم توقيفها.
أثناء التحقيق تبين أن المتهمة كانت تتابع دراستها في معهد يدرس شعبة التدبير، قبل أن يفتح لها والدها محلا لبيع الملابس بشارع الحسن الثاني بالبيضاء اضطرت إلى إغلاقه بسبب عدم قدرتها على تسييره. «ل.م» نفت كل التهم التي نسبت إليها بادئ الأمر قبل أن تتراجع عن تصريحاتها وتؤكد أنها احتفظت في منزلها بمجموعة من المجوهرات والحلي الذهبية المختلفة التي منحتها إياها المشتكية كوديعة، على حد قولها، غير أنها ظلت تنفي تسلمها مبالغ مالية.
خلال تفتيش منزل المتهمة تم العثور على عدة أشياء بينها مجوهرات ومبالغ مالية، إلى جانب السيارة التي قالت المشتكية إنها اشترتها للمتهمة، فضلا عن 10 أقراص مدمجة توثق طقوس ليالي «الحضرة»، وثلاث بطائق بنكية. تم العثور أيضا على عقد يثبت شراءها فيلا في حي عين الذياب أنفا الراقي بقيمة 720 مليون سنتيم وآخر يوثق شراءها لمزرعة في برشيد وصور لـ«ه.ب.س» وجواز سفرها إلى جانب عقد شراء منزل قرب ضريح سيدي علي بنحمدوش وصور تظهرها رفقة خادمتها والمشتكية خلال ليالي «حضرة»، إلى جانب كميات كبيرة من الأدوية.
توالت التحقيقات مع المتهمة لتقر في النهاية بتفاصيل علاقتها بسيدة الأعمال مبرزة أنها أخبرتها، في البداية، أنها رأت في المنام الولي مولاي بوعزة وظهر أنه يرغب، حسب ما نقلته المتهمة عن «ه.ب.س»، في زرابي وثريات، فكلفت المتهمة باقتنائها بعدما سلمتها مبلغ 4 ملايين سنتيم، كما أرسلت لها ثلاث حوالات بقيمة 12 مليون سنتيم لشراء حاجيات أضرحة أخرى لأولياء قالت «ه.ب.س» إنها رأتهم في المنام.
لم تكن المبالغ المرصودة لزيارات الأضرحة، حسب إفادات «ل.م» كبيرة، كما كانت تقول المشتكية، غير أن المتهمة أقرت بحصولها على مبالغ كبيرة من المتهمة لكنها بررتها بغايات محددة بينها تسلمها مبلغ 100 مليون سنتيم منها لشراء شقة تهديها لابنة المتهمة بدعوى أن «ه.ب.س» كانت تكن لها محبة قوية على اعتبار أنها لم ترزق بطفلة، حسبها، إلى جانب التكفل بمصاريف دراسة الابنة، غير أنها ظلت تؤكد أن المبالغ الأخرى المسلمة لها كانت عبارة عن ودائع تعيدها إلى «ه.ب.س» حينما ترغب في استرجاعها، على حد قول المتهمة.
بين التصريحات والتصريحات المضادة، إذن، تفاصيل ستكشف مع مرور جلسات النظر في الملف التي انطلقت للتو، وهي تفاصيل تتكرر في ملفات أثرياء وأشخاص معروفين راحوا ضحية شبكات شعوذة وسحر، بعضهم قرر التبليغ لفداحة ما تعرضوا لهم من سلب، لكن آخرين فضوا التكتم لمداراة الفضيحة.