حول مهزلة “مشروع مدونة الصحافة والنشر”(1)
24ميديا:الأمانة العامة للنقابة المستقلة للصحافيين المغاربة
لا نعرف في حدود معرفتنا المتواضعة، من أين تسنى للجنة العلمية التي صاغت مشروع المدونة، وصنعا في محاورها السبعة، التي تشكل في نظرنا في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، ردة قانونية يستحق من ساهموا في إعدادها وفرضها أرقى الجوائز التي تسلم للعلماء والأدباء والفنانين والسياسيين .. مدونة يفتقر أصحابها الذين يمثلون الفاعلين الصحافيين إلى الإحساس بالمسؤولية والوعي والخبرة الميدانية بمتطلبات الممارسة الصحفية، إن لم يكن الجهل المطلق بمرجعية حقوق الإنسان في مجال الحريات السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية، وما راكمته الإنسانية في الدول التي تقدمت فيها المنظومة الحقوقية تنظيرا وتطبيقا، مما كشف عوارا كبيرا في تعاطي اللجنة مع ما هو مطلوب منها في تحديد ووضع القوانين في مشروع هذه المدونة، بالرغم من الصلاحيات التي منحت لها، وهذا ما انعكس على المتوج الذي أنجزته، والذي جاء فاقدا للشرعية في تكريس نفسه كمعبر عن الطموحات التي يتطلع إليها عموم الفاعلين الصحافيين والإعلاميين، وحتى الاستئناس المزعوم بالمرجعيات لم يترجم في صياغة المشروع كأنما الأساسي في المنظومة هو إزالة ما كان موضوعا للإدانة في القوانين السابقة، وتعويضه بمدونة جديدة ترتدي لباس التحرر والشفافية والتخليق فقط، ولا تملك الحق في الاشتغال الفعلي على ما وصلت إليه الشعوب الأخرى في مجال شرعية وتكريس حقوق الإنسان، ناهيك عن الإيمان بمضمون مرجعية حقوق الإنسان في شموليتها وكونيتها، مما جعل مشروع المدونة الذي سيعرض على البرلمان لمناقشته والمصادقة عليه فاقدا للمصداقية والغنى والتطور المتوقع منه، الذي سيخدم الممارسة الصحفية ويحصنها ويرفع من الوضع القيمي والاعتباري، الذي يجب أن تكون عليه في المجتمع، مما يفتح الباب للتساؤل عن هوية المراجع القانونية والحقوقية والدستورية والمدنية، التي اعتمدت عليها اللجنة العلمية في صياغة مشروع هذه المدونة “المهزلة والكارثة” التي تكشف ضعف ومحدودية ثقافة وتجربة المشاركين فيها،.
لقد تمت صياغة مشروع المدونة كغيرها من قبل من تم اختيارهم لهذه المهمة، ليكون منتوجهم مؤطرا أو منظما أو معالجا لما يواجهه الفاعلون المهنيون من مشاكل قانونية وإدارية ومهنية، ليصبح وينتصب كمقترح قانون حكومي جاهز للدراسة والمصادقة في البرلمان .. أما المعنيون به من خلال منظماتهم النقابية وجمعياتهم وروابطهم فما عليهم إلا القبول بما تم إنتاجه وتقديمه من قبل وزير الاتصال كمحصلة للجهد الذي قامت اللجنة العلمية بإنجازه، حتى وإن لم يتبين فيه حضور المساهمة والرأي من خارجها، مما يعني أن المنتوج هو خلاصة لتوجه ورؤيا الأطراف التي ساهمت في صياغته فقط، وأنه يفتقر إلى شرعية اعتباره محصلة لقناعة وتوجه القاعدة العريضة من الفاعلين في المشهد الصحفي والإعلامي.
يلتمس القصور في محتوى المدونة الشكلي، حيث عرض المشروع على سبعة محاور اشتملت على: (1) تعزيز ضمانات الحرية في ممارسة الصحافة (2) حماية حقوق وحريات المجتمع والأفراد (3) جعل القضاء سلطة حصن في قضايا الصحافة وتقوية دوره في حماية حريتها (4) تعزيز حرية الصحافة الإلكترونية (5) تشجيع الاستثمار وتطوير مقتضيات الشفافية (6) تجويد الحقوق والحريات بالنسبة للصحفي (7) تعزيز استقلالية الصحفي والمؤسسة الصحفية، ولكي لا تمرر هذه المدونة بدون تشريح وتقييم ونقد، يحق لنا في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، التي حرمت من المشاركة في اللجنة العلمية التي سهرت على صياغتها، سنناقشها بروح المسؤولية النقابية التي نتحملها، وسنقف عند جوانبها السلبية والإيجابية، وسيتم ذلك بالتعبير عن موقفنا منها على ضوء ما جاء فيها، حتى يكون الرأي العام الوطني والفاعلون على بينة من الأهداف التي وضعت لها، وإلى مدى تستحق أن تكون مدونة للنشر والصحافة، وبديلا عن القوانين السابقة.
من حسن الحظ بالنسبة لنا في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، ولعموم الفاعلين أن من صنعوا المدونة وضعوا لها مقدمة تشرح مضمونها والمرجعية القانونية التي اعتمدوا عليها، والأطراف الأخرى التي استفادوا من ملاحظاتهم حولها، بدون أن يشيروا إليها وإلى مجالات الاستئناس بها في عرض هذه المحاور السبعة المجسدة لأبوابها وفصولها وقوانينها، مما يفتح الشهية للنقد بأن الصياغة العلمية في أبسط مظاهرها تقتضي الإشارة إليها في النقط أو القضايا التي تتعلق بها، حتى يمكن الاطمئنان في النهاية بأن الاشتغال على هذه المرجعية صحيح ويحترم الشروط الدنيا التي تقوم عليها أي دراسة يريد أصحابها اعتبارها منجزا علميا خالصا.