هل تنجح الدولة في ضبط خطباء المساجد ومنعهم من استمالة الناخبين لهيئة سياسية معينة؟

0

مع قرب كل انتخابات في المغرب، تذكر وزارة الأوقاف بعدم استغلال المساجد في الدعاية الانتخابية وتدعو القيمين الدينيين بالمملكة بالتزام الحياد التام في خطبهم ومواعظهم بتفادي كل ما قد يفهم منه، صراحة أو تلميحا، قيامهم بالدعاية لفائدة أو ضد هيئة سياسية أو نقابية أو أي مترشح.

نص الحوار كاملا مع الدكتور إدريس جنداري، الكاتب والباحث الأكاديمي المغربي، وصاحب كتاب «المسألة السياسية في المغرب»:

س- ما هي قراءتكم لهذا القرار الوزاري، خصوصا فيما يتعلق بقدرة مندوبي الوزارة على ضبط خطباء المساجد من استمالة الناخبين لهيئة سياسية معينة أو شخص معين أو تنفيرهم منهم؟

ج- أولا، لابد من وضع هذا القرار ضمن سياقه العام، فهو قرار وزاري لكنه جزء من سياسة عامة للدولة. فمنذ أحداث 16 ماي 2003 ركزت الدولة المغربية على مأسسة الحقل الديني عبر الخروج من تقليد سائد يمنح العلماء حرية كاملة في الوعظ والإرشاد والتأطير، وقد نتج عن هذا التحول وضع جديد حيث أصبحت وزارة الأوقاف، عبر مجالسها العلمية، هي المسؤول عن أداء هذه المهمة بالتنسيق، طبعا، مع العلماء لكن ضمن خط ومنهج متفق عليه مسبقا.

هذا الوضع تم تكريسه دستوريا من خلال المجلس العلمي الأعلى الذي أنيطت به مهمه تأطير وتأهيل الحقل الديني. هذا البناء المؤسساتي الرصين قادر، بالضرورة، على أداء المهمة المنوطة به، ولا يجادل في ذلك إلا مؤدلج أو متسرع. وأنا على تمام اليقين أن المغرب قادر، عن جدارة، على ربح الرهان.

س- معلوم أن حزب العدالة والتنمية يعتمد عادة على ذراعه الدعوي حركة التوحيد و الإصلاح في استمالة الناخبين في الانتخابات، إذ ينتمي للحركة عدد لا بأس به من خطباء الجمعة و “الدعاة” المنتشرين بمختلف مساجد المملكة. هل فعلا أثبت الواقع الانتخابي أن لتعبئة أعضاء الحركة لمرشحي حزب البيجيدي انعكاس ايجابي على مستوى النتائج الانتخابية؟

ج- كاستدراك لما سبق، أريد أن أتوقف عند حضور حزب العدالة والتنمية من خلال ذراعه الدعوي (حركة التوحيد والإصلاح) بعد أحداث 16 ماي وما تلاها من تتويج انتخابي بعد التعديل الدستوري 2011. فقد تم تقديم الحزب/الحركة كبديل معتدل للخط السلفي المتطرف، ولذلك تم فتح المجال للبيجيديين لاختراق المجال الدعوي المحصن.

وهنا لابد من إبداء ملاحظتين: الأولى، نجاح البيجيديين في استغلال الفرصة المتاحة والسيطرة على المجالس العلمية ومن خلالها على الحقل الدعوي بشكل عام. الملاحظة الثانية، نجاح الدولة في مسايرة هذا الاختراق والتحكم فيه، عن بعد، للحد من أي انحراف إيديولوجي محتمل. النتيجة المتحققة، استفادة طيف واسع من البيجيديين من الريع الدعوي مع توظيف مواقعهم الرسمية في الدعاية لخطهم الإيديولوجي، لكن ذلك لم يدم طويلا فسرعان ما استعادت الدولة زمام المبادرة، و نجحت في تحرير الحقل الدعوي من الاختطاف.

س- في كل مرة يعلن حزب العدالة والتنمية وذراعه الدعوي حركة التوحيد والإصلاح عن انفصالهما. هل تعتقدون أن ذلك لا يخرج عن كونه تكتيكا سياسيا تفرضه المرحلة السياسية؟

ج- هذا أقرب إلى الأسطورة منه إلى الحقيقة، وأستغرب كيف يروج هؤلاء الذين يقدمون أنفسهم رمزا للنزاهة السياسية هذه الأباطيل ؟! هذا إذا حاكمناهم بمنطقهم! لكن، لنكن واضحين هذا الادعاء المروج شكل من أشكال الماركوتينغ السياسي ليس إلا ! قد ينطلي على العامة لكنه أصبح مكشوفا ومفضوحا أمام المتابع الحصيف الذي يقرأ الأحداث بتجرد معرفي، فالحركة كانت وستظل أم الحزب مرضعته ومربيته، ولا يمكن الفصل بينهما.

وهذا، طبعا، ليس منطقا سليما، بل يجب على الدولة تحمل مسؤوليتها في تنزيل مقررات قانون الأحزاب الذي يمنع قيام الأحزاب على أساس ديني، لأن ذلك يخل بمبدأ تكافؤ الفرص بين الفرقاء السياسيين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.