عن الزيوت التي توقد شعلة الانتخابات في محركات السيارات المستعملة

0

الحدث24:

 من القراءة الأولى لمقال “شعلة الاستحقاقات الانتخابية المقبلة بالمغرب توقد بزيوت المحركات المستعملة”، تواجهك الرؤيا المسبقة عن كل الطقوس الاحتفالية للموسم الانتخابي المقبل، بما في ذلك هوية المشاركين ونوعية الخيول المشاركة في “التبوريضة” والتمرين إلى النتائج المتوقعة من الحدث الانتخابي، وهذا ما لا يمكن الاستئناس به في تقييم وتحليل مثل هذه القضايا والمواضيع، سيما المرتبطة بالعملية الانتخابية التي تستهدف تجديد النخب والتنافس على البرامج الانتخابية وتطوير المؤسسات المعنية بتدبير الشأن العام الوطني والمحلي، كما اعتاد عليها المغاربة في نموذجنا الذي يحتاج منا مهما كان وعينا وقناعاتنا الخاصة اتجاهه، إلى تناوله الموضوعي والنقدي الذي يبحث في جوانب تطوره وتأخره، والبحث فيما يساعد على ارتقائه و إغنائه بعد أن أصبح الاختيار الديمقراطي الذي يوجهه توجها نهائيا ومستقرا من خلال تكريسه للتعددية والديمقراطية في ممارسة وظائفه، واقتنعت أطرافه بضرورة تحصينه وتأمينه، ومنها الأحزاب والنقابات والمجتمع المدني، التي تؤثث مؤسساته الوطنية والجهوية والمحلية، وتتناوب على تحمل المسؤولية في إداراته، والتي يخصها صاحب المقال، الذي نشرته جريدة “المستقلة بريس” مؤخرا للمتابعة والحوار بين الفاعلين والمهتمين في أفق ترسيخ فضيلة الحوار حول كل ما يكتب في القضايا العامة، التي لا زالت موضوعا للتداول بين كافة الأطراف التي تجد فيها الأرضية المحرضة على التدخل والنقاش والتعبير عن الرأي.

من حق الأخ عبد المجيد بن شاوية، كاتب المقال أن يعبر عن وجهة نظره في موضوعه، لكن هذا الحق يحتضر حينما يسيء صاحبه استخدامه في التحليل والتعبير عن الموقف .. فالحرية في الرأي لها سقف محدد، لا ينبغ لمن يغامر بالكتابة فيه تجاوز هذا السقف، ولا نعتقد في جريدة “المستقلة بريس” أن صاحب المقال يتجاهل ذلك .. خصوصا، حول القضايا الملتهبة والأكثر حساسية التي يجب الاحتياط في تناولها حتى لايؤول فهمها ومضمونها .. ف. جريدة المستقلة بريس يتسع صدرها لكل الآراء، حتى التي تختلف مع خطها التحريري، لكن لا يجب أن يصل الأمر إلى درجة الحرية الفضولية العبثية التي تضر بمصداقية الموضوع المطروح للنقاش، فرغم قناعتنا المعارضة للآداء الحالي لأحزابنا على اختلاف مرجعيتها لا نسمح لأنفسنا بتصنيفها ك. سيارات لها محركات مستعملة .. فهي بالرغم من فشلها في القيام بوظائفها الدستورية والسياسية والنضالية تظل مؤسسات اجتماعية معنية بالتأطير والتنظير الذي يخدم المجتمع، سواء كانت مشاركة في الاستحقاقات الانتخابية أو خارجها.

إن الزيوت في كل عملية انتخابية تعبر عن نفسها في برامج الأحزاب والنقابات والمجتمع المدني التي يجب أن تكون قادرة على انتزاع ثقة الناخبين، وعلى ضمان مشاركتهم في العملية الانتخابية، وعلى الاستجابة لتطلعاتهم ومطالبهم في جميع المجالات، كما أن الزيوت في حد ذاتها على اختلاف مصادرها هي مجرد وقود محرك قد يصلح استخدامه، وقد لا يجد الصفة الملائمة المطلوبة في المحرك الذي تستخدم فيه، فإن لم تهيئ الأطراف المشاركة في العملية الانتخابية الزيوت القادرة على ضمان حركتها فستكون هذه الهيئات الحزبية والنقابية والمدنية هي المتضرر في النهاية.

إن محطة العملية الانتخابية في أي نظام لا تعن سوى الآلية الدستورية والتنظيمية التي تسمح للمشاركين بأصواتهم فيها لتقييم الأداء والبرنامج الذي وظف في المؤسسة التي أجريت لها العملية الانتخابية، وقد أصبح الأمر طبيعيا وشرعيا في الأنظمة التي وعت بالاحتكام إلى الديمقراطية عبر الآلية الانتخابية من أجل تجديد النخب، ورفع مستوى الأداء في تدبير شأنها الوطني والمحلي في كل جوانبه التنموية والديمقراطية والتحررية، ويذلك يكون الربط بين الزيوت ممثلة في البرامج الانتخابية ملائما لمقتضيات العملية الانتخابية، سواء في السياسة أو الاقتصاد أو الثقافة، إن على المستوى المحلي أو الجهوي أو الوطني.

لاتظهر القيمة المضافة من الحديث عن الزيوت والعملية الانتخابية إلا بمعرفة المحركات المستعملة، وهي الهيئات الحزبية والنقابية والمدنية التي توظف زيوتها في العملية الانتخابية، سواء كانت جماعية أو برلمانية أو قطاعية .. فهل هذه المحركات المستعملة غير قادرة على استعمال هذه الزيوت الموظفة في العملية الانتخابية ..؟ وهل أصبحت هذه المحركات ممثلة في هياكلها التنظيمية واختياراتها وبرامجها وثقافتها عاجزة عن التكيف مع هذه الزيوت التي تستعملها في العمليات الانتخابية ..؟ والتي يتم إنتاجها حسب ظروف هذه العمليات.

إننا في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، ومن موقعها “للمستقلة رأي” لا نجد في المقال الذي عالج هذه العناصر الجزئية حول موضوع الانتخابات وطبيعة المشاركة الحزبية وبرامجها ما يفضي إلى أن هناك ضرورة إلى هذا النقد الذي يحمل الأحزاب مسؤولية عبثية ودعارة المشهد الانتخابي في نموذجنا المغربي .. لذلك، فإن النقد الذي يجب أن يكون هو مساءلة الأحزاب على عدم تقويم وإصلاح الأعطاب التي تتميز بها مشاركتها في العمليات الانتخابية، لأنه لا شرعية في الوقت الحاضر أو المستقبل لأي عملية انتخابية بدون مشاركة حزبية ونقابية ومدنية، كما أن شرعية أي نظام سياسي يتبنى المرجعية الديمقراطية الانتخابية مرتبطة بوجود فاعليها في الأحزاب والنقابات والمجتمع المدني .. ونعتقد أن صاحب المقال المذكور على علم بالشروط السوسيوسياسية التي تعمل فيها محركات السيارات المستعملة في نظامنا الديمقراطي الحالي بكل مميزاته وإكراهاته وعلله المرضية، ومن دون شك فأحزابنا على اختلاف توجهاتها الإيديولوجية مطالبة بجلد الذات ونشر الغسيل وإصلاح الأعطاب التنظيمية والتنظيرية والنضالية، التي تعاني منها إذا أرادت أن لا توقد بزيوت محركات مستعملة، وأن تمارس مهامها الحقيقة الكفيلة بمنحها الشرعية والأهلية من الناخبين في الاستحقاقات الانتخابية من خلال جودة البرامج والنخب التي تشارك بها في هذه العمليات الانتخابية الدورية، وأضف إلى ذلك أن وجود الأحزاب أساسا من أجل الوصول إلى الحكم والتدبير لترجمة برامجها الانتخابية خلال المدة المقررة لها .. وبالتالي، أن تضخم الصورة النمطية النقدية السلبية للعمل الحزبي يجب أن لا تتجاوز تقويم أدائها وتحريضها على معالجة أعطابها في الأداء والتأطير والتدبير، وإثارة انتباهها إلى ما يجب أن يكون عليه سلوكها في المجتمع الذي لا غنى له عن مبادراتها وتحركاتها ومواقفها، سواء في حماية الاستقرار والسلم والأمن أو في تطوير وتحديث وظائف هذه الأطراف الحزبية والنقابية والمدنية، كما أن توجيه الأنظار إلى هذه الهيئات بمكن أن يساعد على تقوية انخراط المواطن في العمل السياسي من خلال وجوده في الأحزاب والنقابات والمجتمع المدني، التي يظل قياس درجة تحركها بطبيعة علاقة المواطن بأدائها وبرامجها وبالنضالات التي تخوضها لصالحه في جميع المجالات.

تبقى بعض المفردات التي وظفت في المقال في حاجة إلى التحليل السياسي والمنطقي لإكسابها مصداقية التداول في مثل هذا الموضوع الذي صيغت فيه للتعبير عن وجهة نظر صاحب المقال اتجاه المشهد السياسي والانتخابي الوطني، تبعا لهذه القناعة الإيديولوجية، كما أن المغرب الرسمي، وذكاء المخزن، والمناورة السياسية لضمان الاستمراية، فحبذا لو أحسن استعمالها في السياق الذي يتلاءم مع مضمونها، خاصة إذا كانت الظرفية بكل إكراهاتها لا تمنع من الخوض في جميع القضايا السياسية والإيديولوجية المرتبطة بهذه المفردات إذا كانت الأهداف تنويرية وتقويمية حقا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.